جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

خان الخليلى.. رواية نجيب محفوظ عن الحب والقدر

جريدة الدستور

كانت الساعة الثانية ظهرا..مساء يوم من سبتمبر1941.. أحمد أفندى عاكف يخرج من باب الوزارة كباقى الموظفين الصغار.. هو فى الحقيقة لا يعتبر نفسه صغيرا ليس لأنه تجاوز الأربعين خريفا.. لكن لأنه العبقرى الذى ذبحه سوء الحظ.

كان أحمد أفندى عاكف يردد هو جالس بين رفاقه فى حى السكاكينى.. نفس العبارة التى حفظها الجميع " لو أتممت دراستى بعد البكالوريا لكان النجاح مضمونا ".

أحمد عاكف ووالده الذى آثر الآخرة على الأولى..وصاحب المصحف الشريف.. ووالدته السيدة البدينة.. التى تحب الحياة بكل ضحكاتها ومرحها وطفولتها.. ارتحل جميعهم إلى حى الحسين.. خوفا من مدافع الألمان التى لن تأتى إلى هذا الحى الإسلامى العتيق.. فهتلر لا يكره المسلمين ولكنه يكره اليهود.
نظر أحمد أفندى الذى انشغل بالقراءة طوال عمره إلى النافذة.. فرأى خان الخليلى بحوانيته.. هذا للسجاد.. وذلك للذهب.. وذاك للمقهى. استاء من كل هذا الضجيج.. لكنه أحس بالراحة حين رأى فتاة ملائكية تطل من النافذة المقابلة.. فى ابتسامتها نعيم الحياة.. وكأنها خلقت من نور.. فلا يمكن لمثلها أن تكون من بنات حواء.. عدل أحمد أفندى طربوشه خجلا حين أغلقت النافذة.. وتذكر أنها لم تتجاوز السادسة عشرة بينما تخطى هو الأربعين.

كان سر ابتعاده عن النساء شيئان القراءة والخجل.. بل ومصاريف شقيقه رشدى الذى حصل على بكالوريوس التجارة منذ عام ويعمل فى أسيوط.. نزل أحمد أفندى إلى مقهى النزهة تصادق مع أهل الخان.. لكنه كان يعتبرهم من العوام لا يضاهونه علما ولا مكانة.

مرت ثلاثة أشهر وهو ينتظر بفارغ الصبر تلك الجميلة تفتح نافذتها.. حتى تغوص نظراته الكهلة فى نظراتها الطفولية.. فلو اجتمع الإثنان سيكونا حبا فى مقتبل العمر. طلبت منه السير خلفها أثناء الخروج من المخبأ خوفا من غارات الألمان التى لم تراع حرمة الحى الإسلامى..

لكن أحمد عاكف رفض بسبب حصار الخجل.. وذهب ليستقبل شقيقه فى محطة مصر.. دخل رشدى الشقة الجديدة ومعه جرأته المعهودة.. رأى نوال من نافذة غرفته.. وما هى إلا أيام قلائل وكان رشدى هو كل شىء فى حياتها.. بل ومحى من ذاكرتها كل مايتعلق بأخيه الكهل الخجول.

شعر أحمد أفندى أن فتاته لا تأتى إلى النافذه كعادتها.. ضاق ذرعا وذهب إلى غرفة شقيقه ليأخذ سيجارة يحرق معها أنفاسه الحائرة.. فوجد نوال واقفة أمام رشدى.. أخفى فى نفسه الغيرة وسكت..

هاهو رشدى يخبره بأنه يرغب فى الزواج من نوال.. وافق أحمد فليس أمامه الا أن يوافق.. لكن نوبة سعال اجتاحت رشدى فأقعدته عن صولاته وجولاته.. أخبره الطبيب أنه مريض بالسل. ذهب إلى المصحة لكنه لم يحتمل بعد محبوبته فعاد إلى البيت. قبل أن يتم علاجه.. انقطعت زيارات نوال بأمر من والديها خشية أن تصاب بنفس المرض..

ولما أصرت رفض هو وعاد ثانية إلى المصحة.. وطلب من شقيقه أن يشترى له ملابس جديدة.. لكنه للأسف لم يرتديها ففى اليوم الثانى من شرائها ذهب أحمد ليشترى له كفنا ويودعه الوداع الأخير..
يرحل رشدى المحب الجرىء ويبقى أحمد الخائف المرتعد.. لتظهر نوال أمام عينيه مرة أخرى.. يطارده التفكير فيسأل نفسه: هل هذا ممكن؟ قرر أحمد عاكف الرحيل عن خان الخليلى الذى فقد فيه شقيقه وعشقه الأول والأخير.

تمت..
قصة عن رواية خان الخليلى للأديب نجيب محفوظ.