جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بنت الجوهري.. فشلت قصة حبها مع سعد زغلول فأصبح زعيمًا للأمة

سعد زغلول
سعد زغلول

ظلت قصة حب الزعيم المصري سعد زغلول حبيسة لا يعلم أحد عنها شيئا؛ حتى أفرج عنها الدكتور زكي مبارك في مقال له كتبه بمجلة الرسالة عام 1942.

كان سعد زغلول طالبا أزهريًا وكان صديقًا لإبراهيم الهلباوي الذي قص الحكاية على الدكتور زكي مبارك، والحكاية تقول أنه في يوم أطل سعد من غرفته فرأى في دار الجوهري بنت كحيلة العين مشرقة الجبين، فغض بصره عنها حين تذكر أن ما زاد على النظرة الأولى حرام.

وكانت النظرة التي قلبت حياة الزعيم رأسا على عقب، وتمكنت منه لدرجة أنه حاول كثير ان ينظر إلى الدار، عل عينيه تحملانها ويراها، والبنت لا تظهر في صحن البيت إلا عند انتصاف النهار، وهو الوقت الذي يعود فيه فتحي زغلول شقيقه من المدرسة، وكان سعد يراعي فتحي ويتعمد الظهور أمامه بمظهر الشيخ المتعبد الناسك.

كل شئ كان يقف ضده تماما، فلم يعرف كيف يظفر بنظرة ثانية إليها، وأخذت محبتها تضرب قلبه بعنف، والبنت نفسها لا تعلم، ووجد سعد حينها أنه لا بد من التقدم لطلب يدها ليكتم محبته بالتلاقي، وليستطع إستكمال دروسه في الأزهر، وحتى لا تشغله المحبة بدون اللقاء، وتشجع سعد وطلب يد ابنة الجوهري بالفعل من ابيها، فرده الجوهري برفق، ولم يقبل أن يخطب ابنته لسعد زغلول، وهو يجهل تماما ما ينتظر سعد من تاريخ مشرق سيكتب على يديه.

ورجع زغلول حزينًا وقد خاب أمله، ولم يستطع مقاومة محبته للبنت، فرأى أن مغادرة الحي كله هي أنجع وسيلة لنسيانها، خاصة وأن كل من بالحي الأزهري عرف تماما أن سعد رُفِضَ من الجوهري، ولأن العيون كلها ستتلمز والألسنة ستتحدث.

وكانت هناك مشكلة هي ان والد سعد أراده عالما أزهريا، فكيف يخلع عمامته وقفطانه ولا يلبي رغبة أبيه، وأخذ سعد يفكر حتى اهتدى لرأي، فقام وخلع عمته وقفطان ولبس البدلة الإفرنجية واحترف المحاماة، وأصبح الأفوكاتو سعد زغلول أفندي بشارع عابدين، وأصبح مكتبه سامرا يلتقي فيه الرجال يوميا، ولكن كانت هناك لوحة معلقة على جدار كتب عليها " وإذا دعيت إلى تناسي عهدكم... ألفيت أحشائي بذاك شجاعا"، وكانت اللوحة تعيده إلى حي الأزهري وبنت الجوهري فينزف قلبه وجعا.

ومر عام وأعوام وسعد يجاهد في سبيل المجد لكي يعرف من ردوه جاهلين أنهم أضاعوا جوهرة لن يرى الجوهري مثلها، وفي الأخير قرر سعد أن يتزوج، وكانت بنت مصطفى باشا فهمي رئيس الوزراء وأم المصريين صفية فيما بعد، ومرت الأيام إلى أن نفى الانجليز سعد بسبب قضية الاستقلال، ثم سمحوا له أن يسافر من مالطة إلى باريس ليقنع "مؤتمر السلام" بعدالة القضية المصرية ان استطاع، وعجز سعد وأصحابه عن الوصول إلى قصر فرساي فرجع إلى مصر وهو غاضب.

وأقيمت لسعد حفلتان بمناسبة رجوعه، أولهما كانت في دار البكري وفرح بها فرحا عظيما، فقد كان يظن أن خذلانه في "مؤتمر السلام" سيصرف عنه قلوب المصريين، وفي تلك الحفلة هتف الجميع "تحيا وزارة الثقة" و"يحيا الشيخ سعد"، أما الحفلة الثانية فكانت في دار الجوهري، في دار حبيبته القديمة، وهتف الكثيرين "يحيا سعد"، وظل سعد يجول بعينيه بحثا عن حبيبته القديمة، عله يراها، وكيف اصبحت، وأخذت التساؤلات تحوم في رأسه هل ماتت، أين هي إذا.

وأقام سعد في بيت الامة يتلقى تهنئة الوفود بعودته سالما من باريس، وكانت كل امرأة تأتي إليه يكشف وجهها وكانت حجته أنه يؤيد صديقه الحميم قاسم امين في دعواه لتحرير المرأة، ولعل سعد كان يرجوا لقاء حبيبته بهذا الفعل، ولم يرها سعد، ولما يقابلها بعد ذلك ولو صدفة حتى وفاته.