جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

"قاع المدينة".. يوسف ادريس حين ينزل إلى العمق

جريدة الدستور

وقف المحامى أمامه ليقسم بأغلظ الأيمان بأن موكله برئ من التهمة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. بينما القاضى "عبدالله بك" لم يكن يدرى عن أى شئ يتحدث الرجل. فكل ما يشغله الأن وهو على المنصة.. كيف فقد ساعته.. ومن الذى أتته الجرأة على فعل ذلك.. وهو صاحب الجاه والسلطان.. ولما علا صوت المحامى فى مرافعته... تدارك القاضى الأمر.. فقال رفعت الجلسة.

ذهب الى بيته وأخذ يقلب فى كل الأشياء لكن لا وجود للساعة. تذكر يوم أن نادى على فرغلى الحاجب وطلب منه أن يأتيه بخادمة.. تدير شئون البيت خاصة وأن جعفر الذى ورثه عن أبيه وأجداده كبر ت سنه.. وأضحى تراثا قديما لا فائدة منه.. كما أنه أنه يخشاه ولا يقدر على فعل خطأ.. ربما لأنه يحمل شيئا من رائحة والده..

وقف الحاجب أما القاضى منحنيا وقال: تحت أمرك يا بيه.
فرد القاضى.. عاوز واحدة تخدم عندى فى البيت وتكون ست كبيرة.. يعنى مش كبيرة قوى علشان الشقة فى الدور السابع.. أقولك ياريت تكون صغيرة علشان تقدر على الشغل
لم يمر الأسبوع حتى جاء فرغلى قابضا على كف إمرأة اربعينيه ملفوفه فى ملاية سوداء. ثم تركها فى بي البك بعد أن حصل على ما فيه النصيب.

طلب السيد من خادمته أن تحضر له فنجان قهوة.. ثم دخل خلفها.. اقترب منها لكنها سحبتها جسدها.. وكأنها تخشى جدارا مهيبا يريد أن ينقض عليها.. حاول الاقتراب فحاولت الابتعاد إلا انه أكل من لحمها.. بكت وأقسمت أنها لم تفعل ذلك من قبل.

لم يكن واثقا فى دموعها بل اعتبرها مصدر اتهامها.. فهى دليل أخر احترافها الكذب فدمعها مطر.. بغير سحاب وآهات بغير عذاب.

استمرت‘‘ شهرت ’’ فى بيت القاضى بنفس سيرتها الأولى الملاية اللف التى تدس جسدها فيها حين المجيئ والذهاب والجلابيه القديمة اثناء العمل.. ثم بدأت فى الاقتراض من سيدها
عاوزه جنيه سلف يابيه وابقى اخصمه.. البنت تعبانه وابوها نايم فى البيت من يوم ماساب المدبغة.
عاد القاضى من رحلة الفلاش باك.. واتصل بالحاجب ليدله على بيت السارقة.. فدخلا دربا ضيقا مكتظا بالنساء البدينات.. تخرج منهن همهمات
استر على ولايانا يارب
رايحين عند شهرت
ياترى عملت إيه البعيده مع البيه الحليوة ده
لم يلتفت القاضى إليهن ومضى نحو بيت شهرت.. او بالأحرى غرفة شهرت.. كانت مظلمة كالقبر.. بها سرير قديم وشىئ كالدولاب وجوال عليه أرنب.. ومرتبة على الأرض.. وكراكيب وعيال كثيرون.. وشئ يتحرك وسط هذه الكومة.. انه زوجها المخمور.. اقسمت شهرت باغلظ الأيمان وهى تبكى بأنها لم تسرقه.. ولكن بعد دقائق خرج القاضى وساعته فى يده.

مرت أيام وإذا به يجد شهرت واقفة بناصية أحد الشوارع نظر اليها بتعالى كى ينسى أنه أصبح واحدا من قاع المدينة.
تمت
قصة عن رواية قاع المدينة للكاتب يوسف ادريس