جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

شجرة اللبلاب.. لـ محمد عبد الحليم عبد الله.. من أحب ما قتل

شجرة اللبلاب
شجرة اللبلاب

أشفقت عليه أخته هنية التى تكبره بعشر سنوات.. يجمعهما غطاء واحد.. وليل واحد.. وحزن يتقاسمانه معا.. وبدلا من أن يكون مصدر حنان لهما كان أبوهما مصدر التعاسة لكليهما.. يتعامل مع حسن وهنية بمبدأ "التلكيك"..

شعرت "هنية" أن لوالدها رغبة فى الزواج.. وما هى إلا أيام قلائل ودخلت العروس فى يد الوالد.. وبالأحرى يجب أن نقول إن والدهما هو الذى دخل بيد العروس.. رغم أنه كان يعتبر نفسه أكثر الناس ذكاء.. ولكن لاضير فهكذا كل الأغبياء..

يصنف الناس من وجهة نظره إلى صنفين.. الأول متآمر و.. الثانى حاقد.. وكانت العروس فى الثلاثينيات بينما العريس فى الخمسينيات. وبعد عامين من الزواج ذاقا «حسن وأخته» ويلات الحرمان والذل من سوء معاملة زوجة الأب والأب معا.. فكلام الزوجة دستور لا يمكن مخالفته أما كلام حسن وهنية فهو مجرد أباطيل وأكاذيب ما انزل الله بها من سلطان.

أيام تمر ثقالا وهاهى هنية ترحل عن البيت إلى عش الزوجية.. تاركة حسن لليله.. ووحدته وهمومه.. وذات يوم عاد حسن إلى البيت فإذا بزوجة أبيه بين أحضان ابن عمها.. إنها تخون والده خارق الذكاء.. على سرير نومه.. تمر السنين ويكبر حسن وتكبر صورة الخيانة فى مخيلته فتوغل صدره من كل النساء
سافر حسن إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الثانوية.. استلمه قريبه غانم فى باب الحديد.. وجره الى بيته بأحد الأماكن الشعبية بالقاهرة. كان لا بد لحسن ان يعمل بلقمته فاستغله حسن فى العمل معه بعد العودة من المدرسة.. ثم استغلته زوجته فى عمل الشاى والقهوة لها ولصويحباتها بعد العودة من العمل مع زوجها.

وفى يوم النتيجة وقف حسن يتخيل زوجة أبيه التى تحقد عليه وتخيل موقف أبيه وهل هو معه أم مازال ضده ماذا لو رسب؟ وما موقف شقيقته النحيلة؟ قد يتملكها الحزن تخيلها وهى تضرب بكفيها على صدرها من مرارة الحسرة لكن هذا لم يحدث.. نجح حسن رغم كل هذه الظروف.
بينما يمر حسن بأحد الشوارع.. رأى غانم خلف امراة ترتدى " ملاية لف" يالها من مصيبة الرجل يخون زوجته.. مثلما خانت من قبل زوجة أبيه..

وهنا نط السؤال فى رأسه فأوقفه عن الحركة.. هل تخون زوجة غانم زوجها؟ ترسبت فكرة الخيانة فى وجدان حسن.. اتسعت الهوة بينه وغانم.. فترك البيت وذهب إلى قلعة الكبش ليسكن غرفة على سطح أحد المنازل القديمة.. وفى السنة النهائية من البكالوريا لم يكن فى عقل حسن شىء يخص المرأة إلا خيانتها.

ومما عضد هذه الفكرة قصة صديقه الدنجوان الذى كان يحمل ألبوما من صور البنات.. اللواتى عشقنه وحصل منهن على ما أراد ولم يبق منهن إلا تلك الصور.. فاستخرج صديقا له صورة لفتاة يقضلا معها وقت فراغه.. فقال الدنجوان أرنى الصوره وأقسم لك أننى سآقتنصها منك وستكون بين أحضانى قريبا.. وفى لحظ وثب على صديقه وخطف الصورة من كفه ثم وقع على الأرض باكيا وهو يتمتم بكلمة" أختى ".

كره حسن كل ما يدل على تاء التأنيث ونون النسوة.. وحمد الله أن أمه ماتت وهو صغير.. لكن حين رأى زينب إبنة صاحب البيت.. دعاه الحب فدق قلبه وانتفض ليتركه فريسة للصراع بين حلاوة العشق ومرارة الخيانة.

وذات ليلة أرسلت زينب خادمتها بخيوط ومسامير..حتى تصل شجرة اللبلاب إلى السطوح فكانت شجرة اللبلاب مرسال الغرام بين حسن وزينب.. يهزها من أعلى فتشرق الشمس من النافذة والعكس.
صعدت إليه فى غرفته كثيرا ودارت بينهما لقاءات الغرام العفيف..كانت ترسل إليه مراسيل كثيرة.. وقت سفره يرد عليها بأحسن منها.. لكن فكرة الخوف من المرأه ومن خيانتها كانت تدك عنقه فى اليوم ألف مرة.. لذا هجر زينب.

أنهى حسن البكالوريا.. تكتب إليه زينب ولا يرد.. وحين عاد من البلدة ليدخل كلية الهندسة ذهب إلى غرفته فإذا بشجرة اللبلاب قد زبلت.. لقد ماتت زينب البريئة بجريرة أخريات.. إلا أن حب حسن لها لن يموت.

القصة عن رواية شجرة اللبلاب للكاتب محمد عبد الحليم عبد الله