جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

"هنا سانت كاترين".. مدينة الملائكة والقديسين ورحلات "السفارى"

سانت كاترين
سانت كاترين

اختتمت فعاليات الدورة الخامسة من ملتقى سانت كاترين لتسامح الأديان «هنا نصلى معًا»، السبت الماضى، بحضور ٨ وزراء، و٣٢ سفيرًا لعدد من الدول الأجنبية وعائلاتهم، من بينها فرنسا واليونان وسويسرا وليتوانيا وبلجيكا والدنمارك وبلغاريا والتشيك وفنلندا واليابان وكازاخستان ومالطا وجورجيا وكولومبيا وكوبا، وغيرها الكثير.

وخلال الفعاليات افتتح الوزراء الثمانية ومحافظ جنوب سيناء استراحة الرئيس محمد أنور السادات، بعد ترميمها من قبل وزارة الثقافة، ثم توجهوا إلى دير سانت كاترين الأثرى، حيث زاروا الدير و«كنيسة التجلى»، واستمعوا إلى شرح مفصل عن تاريخ الدير، والدور المهم الذى لعبه عبر الحقب التاريخية المختلفة، وتاريخ الكنيسة وأهميتها وقدسيتها.

«الدستور» كانت حاضرة تلك الرحلة، وتنقل تفاصيلها كاملة، ومشاهد من السحر الذى تتمتع به مدينة سانت كاترين خلال السطور المقبلة.

فى تمام الواحدة ظهرًا أقلعت إحدى الطائرات الخاصة من مبنى الركاب رقم «١» بمطار القاهرة الدولى، باتجاه مطار مدينة سانت كاترين فى جنوب سيناء، وعلى متنها عدد من الوزراء والسفراء الأجانب المدعوين لحضور «ملتقى الأديان».
بعد حوالى ٤٥ دقيقة وصلت الطائرة إلى المطار، وهبط الركاب ليتم نقلهم إلى أحد الفنادق الثلاثة الوحيدة فى المدينة، من بينها فندق «وادى الراحة» المفضل للرئيس الراحل أنور السادات، الذى كان يقضى فيه عدة أيام قبل أن يعود إلى القاهرة لمباشرة إدارة البلاد مجددًا، وفندق «مورجن» الذى يقع بالقرب من دير سانت كاترين.
وتقع مدينة سانت كاترين فى المنتصف بين خليج السويس وما يضمه من مدن «رأس سدر» و«أبوزنيمة» و«أبورديس» و«الطور»، حتى محمية «رأس محمد»، وخليج العقبة حيث مدن شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، لذلك يطلقون عليها «قلب سيناء».
وهى أول مدينة فى جنوب سيناء استعادتها مصر من الإسرائيليين، فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٩، وتم إعلانها محمية طبيعية بقرار من رئيس الوزراء عام ١٩٩٦، لما لها من أهمية طبيعية وتاريخية ودينية، ثم أعلنت منظمة «اليونسكو» ضم المدينة إلى قائمة التراث الثقافى العالمى، فى عام ٢٠٠٢.
وتقع المدينة على أعلى ربوة فى سيناء ومصر كلها بارتفاع ١٦٠٠ متر فوق سطح البحر، على بعد ٣٠٠ كم من قناة السويس، و٢٠٠ كم من مدينة شرم الشيخ، وتبلغ مساحتها ٥١٣٠ كم مربع، وتحيط بها مجموعة من الجبال مثل جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة، وتتميز بمناخ معتدل فى الصيف وشديد البرودة فى الشتاء، حتى إن الثلوج تكسو قمم جبالها وأرضها.
ويعد دير سانت كاترين أقدم دير فى العالم، إذ جرى تأسيسه قبل نحو ١٦٠٠ عام، ووضعت حجر أساسه الملكة تلين، والدة الملك قسطنطين، ويتميز بطراز معمارى فريد، وتمارس به الطقوس الدينية دون انقطاع حتى الآن، ويضم ثانى أهم مكتبة دينية فى العالم، تحتوى على الآلاف من المخطوطات، ونحو ٣ آلاف كتاب بمختلف اللغات، وذلك بعد مكتبة الفاتيكان التى تعد المكتبة الأولى فى العالم.
ويقع قبر النبى هارون على الطريق المؤدى لدير سانت كاترين، ويقبل على زيارته عدد من عرب إسرائيل كل عام، فى المنطقة الجبلية عبر منفذ طابا، فهنا وكما يقول كثيرون نزلت «الوصايا العشر» على النبى موسى.
ورغم أن المدينة تقع فى قلب صحراء سيناء تجد فيها الأمان الذى ربما لا تجده فى أى مكان آخر، فإلى جانب الحماية الطبيعية والروحانية ستجد حماية بشرية تتمثل فى انتشار جنود القوات المسلحة والشرطة فى كل مكان، وظهور أكمنة التأمين على طول الطريق المؤدى للدير، للتحقق من هويات الزائرين الذين تتوقف عرباتهم خارج البوابة الرئيسية.
الطبيعة هنا خلابة، وعدد السكان لا يتجاوز ١٠ آلاف نسمة موزعين على ٣٧ واديًا من الوديان الصغيرة بين الجبال العالية، ومن بينها «زغرة» و«سعال» و«فيران» و«مندر»، بجانب التجمعات البدوية على جانبى الطريقين الرئيسيين فى سانت كاترين، الذى أنشأت أحدهما إسرائيل وقت احتلالها سيناء بعد حرب يونيو ١٩٦٧.
ويستفيد السكان من خدمات الكهرباء، ويعتمدون على الآبار كمصدر أساسى للمياه، وتضم تجمعاتهم وحدات سكنية متواضعة، ويعمل معظمهم فى الزراعة والرعى والخدمات السياحية المعاونة، كما تشتهر المدينة بالسياحة الدينية وسياحة «السفارى» وتسلق الجبال، حتى الأطفال والنساء يعملون أيضًا فى الحرف اليدوية ويبيعون المشغولات والعسل والزيتون للسائحين.
وتشتهر مدينة سانت كاترين بالأعشاب الطبية، وتحتوى على ما يقرب من ٥٤٢ نوعًا من النباتات، منها أكثر من ٣١٩ نباتًا طبيًا و١٩ نوعًا من النباتات «المستوطنة»، التى لا يوجد مثلها فى أى مكان فى العالم، وعمد بعض السكان إلى إنشاء مناحل بالقرب من مناطق نمو تلك النباتات النادرة لإنتاج أفضل أنواع العسل.
ويعرف الجميع هنا رواية واحدة عن «القديسة كاترين» التى سُميت المدينة والدير باسمها، تقول إنها ولدت فى الإسكندرية، نهاية القرن الثالث الميلادى، واتصفت بالحكمة ورجاحة العقل والحياء، وتربت على محبة السيد المسيح، والتحقت بالمدارس الدينية، وتثقفت بعلوم الكتاب المقدس.
لما بلغت سن الـ١٨ عامًا أتمت دراسة اللاهوت والفلسفة وتعمّدت، وفى عام ٣٠٧ ميلادية حضر القيصر مكسيميانوس إلى الإسكندرية، فأمر بعبادة الأوثان، واضطهد القديسة وعذبها حتى إنه أمر بقطع رأسها فى ٢٥ نوفمبر سنة ٣٠٧ م.
وبعد استشهادها بـ٥ قرون، رأى راهب فى سيناء جماعة من الملائكة يحملون جثمانها ويطيرون به ويضعونه على قمة جبل فى سيناء، فانطلق الراهب إلى قمة الجبل، فوجد الجثمان.