جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نازحون سوريون لـ«الدستور»: أطفالنا فى رعب.. ويسألوننا «هل سنعيش؟»

جريدة الدستور


تعيش آلاف الأسر السورية حالة مأساوية، نتيجة القصف التركى المتواصل والاعتداء الغاشم على أراضيهم، ومع كل يوم جديد يترك المئات منهم منازلهم، خوفًا من قذائف عشوائية من مدفعية وطيران الجيش التركى، وأملًا فى الحفاظ على حياة الأطفال والأبرياء، الذين وجدوا أنفسهم فجأة محاصرين بالنيران من كل اتجاه.
وكشف عدد من أفراد تلك الأسر، لـ«الدستور»، عن تفاصيل الحياة الصعبة التى يعيشونها فى ظل هذه الأوضاع، التى يستهدف فيها طيران الجيش التركى المدنيين، وتقصف قذائف مدفعيته المدن والقرى بالليل والنهار.





أسرة عبدالعزيز: القصف طال المدنيين بمن فيهم الصغار.. وأغلق كل ممرات الخروج
روت أسرة سورية مكونة من ٨ أفراد تفاصيل الأيام الأولى للغزو التركى لأراضى الشمال، واضطرارهم إلى الرحيل لـ«أى مكان» والمبيت فى شوارع المدن والقرى الأخرى مثل المشردين، والهرب حفاظًا على الأطفال، فى الوقت الذى اختارت فيه أسر أخرى الصمود والمقاومة، رافضين فكرة النزوح والتخلى عن أرض آبائهم وأجدادهم.
وقال محمد عبدالعزيز، رب الأسرة: «مع بدء العدوان التركى أخذت الأسرة إلى مكانٍ بعيد خوفًا من إلحاق الضرر بهم، وخرجنا من المنزل على مراحل وليس دفعة واحدة، تحسبًا لسقوط قذيفة علينا جميعًا»، موضحًا أنه: «فى اليوم الأول نقلت كل أفراد عائلتى، وبعد ذلك نقلت الأغراض الضرورية من المنزل على مدى يومين، وفى عصر اليوم الثالث لحقت بالأسرة».
وأصبحت أسرة «عبدالعزيز» مشردة فى الشوارع الآن، وبحسب ما قاله: «نعيش حاليًا فى الشوارع منذ اليوم الأول للقصف».
وكشف عن أن هناك أسرًا لا تزال محاصرة فى المدن، لشدة نيران مدفعية المعتدين، وقال: «العدوان التركى على بلدتى بدأ بشكل عشوائى، واستهدفت الطائرات المدنيين فى الشوارع دون تمييز بينهم وبين المقاتلين، الأمر الذى أدى لتشريد الآلاف وقتل الأبرياء ومن بينهم أطفال ونساء».
وعن دور الجماعات الكردية، بَين: «هم يساعدون المواطنين على الهروب من القصف، وساعدونا فى نقل أغراضنا من مناطق العدوان»، مشيرًا إلى أن بعض الأسرة تخشى من النزوح خوفًا من القذائف، متابعًا: «من الممكن أن تفاجئ بقذيفة فوق رأسك وأنت تسير فى الشارع».
وأشار إلى أنه «فى أول يومين من القصف كانت هناك عدة ممرات لخروج المدنيين ونزوحهم، لكن تم إغلاقها نتيجة زيادة عمليات القصف العشوائى، لأن القصف التركى مستمر طوال اليوم ولا يتوقف إلا ليلًا».
وأضاف: «بعض المنازل أصابتها القذائف بشكل مباشر، وكان يوجد داخلها أطفال ليس لهم أى ذنب، ما فعله الجيش التركى لا يفعله الصهاينة، ليس عندهم شفقة أو رحمة أو ضمير».
وتابع: «القصف التركى ليس جديدًا فالحرب مستمرة منذ عام ٢٠١٤ وتتعرض البلدة لقصف متواصل».
وأعربت الزوجة، ويطلقون عليها «أم الأسرى»، عن أملها فى الحفاظ على أولادها سالمين بعيدًا عن نيران الاعتداء التركى، واصفة ذلك بأنه أمنيتها الوحيدة.
وقال «ماجد»، أحد أبناء الأسرة: «نعيش حالة رعب حقيقية، فالطيران التركى يقصف كل المناطق، ما دفعنا للخروج من المنزل فى الأيام الأولى للقصف، وليس معنا سوى ملابسنا فقط، ولدينا أطفال أعمارهم لا تتجاوز ٣ سنين إضافة إلى الرضع».
وقبل خروجهم من منزلهم فى النهاية، كان «ماجد» وأسرته يظلون بداخله، ويقضون الوقت كله فى الدعاء على أمل ألا يصاب أحد منهم بأذى، فى ظل تطاير القذائف فوق رءوسهم. يقول: «كنا بنبقى داخل البيت ونقول (يا الله)، لأن القصف عنيف جدًا، بشكل لا يمكن أن يتخيله أحد».
وأشار إلى أن الأطفال يشعرون بالرعب مع كل صوت قذيفة لجيش الاحتلال التركى، ويحاول الآباء تهدئتهم، مشيرًا إلى أن القصف يستمر كل ساعات النهار، لذا فإن النازحين يتركون المنازل ليلا، داعيًا العالم والعرب للتدخل لحل الأزمة، ووقف الاعتداء التركى على أراضى سوريا.



محمد: رأيت عائلة تترك جثمان ابنها القتيل فى الشارع من شدة نيران «الغزاة»
قال «سعود»، نازح سورى من مدينة «رأس العين» يبلغ من العمر ٦٢ عامًا، إن النازحين يعيشون أوضاعًا مأساوية للغاية، بعدما تركوا منازلهم، وابتعدوا عن المدينة بنحو ١٠ كيلومترات، لكن الطيران التركى لا يزال يتوغل فى تلك المنطقة، ويستهدف الكل بلا أى استثناء، سواء أطفال أو رجال أو نساء.
وكشف عن أن ابنه البالغ من العمر ١٤ عامًا استشهد فى اليوم الثانى للقصف، أثناء سيرهم على أحد الطرق خلال محاولتهم النزوح خارج المدينة، موضحًا أن: «الطيران استهدف الشاحنة التى كان يستقلها ابنى مع والدته وأخيه، ٢١ عامًا، خلال هروبهم من المدينة، كما أن ابنة عمه استشهدت أيضًا، وتدعى فاطمة، وتم تشييع جثمانهما ودفنهما فى اليوم الرابع للقصف».
وبالتحدث إلى والدته، التى كانت منهارة بشدة، صرخت بعدة جمل، من بينها: «أنا أم الشهيد.. ضربونا فى السيارة.. أين الإنسانية؟ بيقولوا الإسلام أين الإسلام؟ تعالوا شوفوا المستشفى والشوارع.. ابنى راح».
وتساءل زوجها، بعد أن أخذ الهاتف منها: «أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين الدول الكبرى مثل أمريكا وأوروبا، ألا توجد إنسانية؟»، متابعًا: «الطيران فوق رأسنا ويقصف بشكل عشوائى، ونحن خرجنا وأصبحنا نعيش فى الشوارع، ولا يوجد مكان نذهب إليه».
وتحدث إلينا ابن عم «سعود»، ويدعى «محمد»، ٣٩ عامًا، وهو نازح معه من جحيم الغزو التركى لمدينتهم، فقال: «موجودون فى الشوارع، أمام بعض المدارس التى يلجأ إليها النازحون للبقاء فيها»، مشيرًا إلى أن أسرته بينهم أطفال أكبرهم ١٤ عامًا.
وأوضح: «لا توجد خيام، لذا نلجأ إلى المدارس، التى تقدم فيها الإدارة الذاتية لشمال سوريا ما يتوافر لديهم من احتياجات للنازحين، مثل الطعام والبطاطين، وغيرهما»، مشيرًا إلى أنه يقف أمام إحدى المدارس فى الشارع، بعدما امتلأت هذه المدرسة بالنازحين.
وشدد على أن طيران الغزو التركى تعدى الحدود التى يتحدثون عنها فى وسائل الإعلام، وبدأ فى التوغل لأحياء غير المعلن عنها، ولا يوجد أمان فى المنطقة بالكامل، لأنه منذ اليوم الأول للقصف، هناك قصف مدفعى بالصواريخ بشكل عشوائى ضد المدنيين.
وأضاف: «هناك العديد من الأطفال والشباب الصغير استشهدوا خلال الأربعة أيام الأولى فى القصف، وما نراه من تخريب وقتل بشكل همجى هو أمر صعب للغاية. الوضع مأساوي، والأطفال مرعوبون من أصوات الطائرات، فعندما يستمعون إلى صوت طائرة بعيدة يبكون».
وعن الحل من وجهة نظره، قال: «الإدارة الذاتية لشمال سوريا حاربت الإرهاب قبل العدوان التركى، والخيار الأخير أن نخرج نحن الشعب للحرب. فالحرب ليست ضد الشعب الكردى فقط، فهناك عرب ومسيحيون، والعدوان الحالى يشردنا من بيوتنا، ويريدون أن يأخذوا أراضينا، ويضعوا فيها غيرنا ليستوطنوها، هذه ليست حربًا عامة، بل هى غزو».
وحول أصعب المشاهد التى لا تغادر ذهنه منذ رآها: قال: «عند ترتيبنا للخروج من المنازل، استشهد طفلان فى الشارع خلال القصف، أحدهما انشطرت جثته إلى نصفين، والثانى أصيب فى صدره وملقى على الأرض، حتى أمه وأهله لم يستطيعوا أن يأخذوه معهم لكى يدفنوه، فتركوه على الأرض وغادروا، وسارعوا فى الهرب. كانوا يركضون وهم يبكون بسبب تجدد القصف»، مشيرًا إلى أنه لا يعلم إذا كان أهلهم عادوا مرة أخرى ليحاولوا دفنه أم لا.



صحفيون: نقص فى الأدوية ومجاعة محتملة.. والعدوان يستهدف سيارات الإسعاف
أكد آرين شيخموس، صحفى كردى سورى، ٣١ سنة، من مدينة «القامشلى» على الحدود السورية التركية، أن مدينته تتعرض لقصف مدفعى وصاروخى من العدوان التركى بشكل عشوائى.
وأضاف: «القصف المدفعى والصاروخى المستمر منذ بدء العدوان التركى استهدف المرافق الأساسية والبنية التحتية للمدينة، ومنها فرن لإنتاج الخبز، ومحطات المياه والمناطق القريبة من المطارات الدولية، ومكاتب الأمم المتحدة، فضلًا عن استهداف أكبر الأحياء الشعبية التى يوجد بها المدنيون».
وأشار «شيخموس» إلى أن هناك من اختار النزوح بسبب الخوف على أولاده، بينما أصر البعض الآخر على البقاء داخل المنازل لمواجهة الاحتلال التركى، لافتًا إلى أن الأطفال أصيبوا بالرعب من شدة أصوات الانفجارات، وهناك حالة هلع شديدة بين الجميع، فى ظل أصوات قصف قذائف «الهاون» والصواريخ والمعدات الثقيلة، واصفًا الوضع بأنه مأساوى للغاية.
وقال إن المنطقة الحدودية فى «القامشلى» يقطن بها نحو ٣ ملايين سورى ما بين أكراد وعرب ومسيحيين وغيرهم، ويعيشون جميعًا حياة صعبة للغاية، ولا يجدون الطعام بسهولة، ما جعل أبسط متطلبات الحياة غير متوافرة نتيجة القصف العشوائى والمتواصل.
وحكى أن طفليه الاثنين أصابهما الهلع والخوف من صوت القذائف، خاصة أنهما لم يعيشا تلك الأجواء من قبل، ويوجهان له باستمرار أسئلة مثل: «مَن الذى يقصفنا؟ وماذا يريدون منا؟ ولماذا كل هذه القذائف؟ وهل سنعيش؟».
أما عن عملية التعليم فى المدينة، فأكد أنها متوقفة تمامًا بسبب العدوان، كما لا توجد حركة فى الأسواق، محذرًا من «مجاعة شديدة» بين الأهالى إذا استمرت الأوضاع بهذه الطريقة، لعدم وجود أى إمدادات خارجية.
صحفى سورى من «الحسكة» تم تكيفه بتغطية أحداث العدوان التركى فى «رأس العين»، ويدعى هوشينك حسن، قال إن القصف بدأ بالطيران أولًا ثم المدفعية، فى الرابعة عصرًا، على مدينتى «رأس العين» و«تل أبيض» القريبتين من الحدود مع تركيا.
وأشار إلى معاناة مواطنى شمال وشرق سوريا من أزمات كثيرة فى ظل القصف التركى من قبل الطائرات والمدفعية، على رأسها النقص الشديد فى الأغذية والأدوية، حتى إن السيارات الطبية «الإسعاف» لا تسطيع الوصول إلى الجرحى والمصابين نتيجة استهدافهم من قبل الطائرات التركية، كاشفًا عن أن «العدوان التركى استهدف مستشفى داخل مدينة رأس العين، وسيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الكردى». وذكر أن أصعب المواقف التى يمر بها هى رؤية دموع المدنيين النازحين وآلامهم جراء القصف وهجرهم منازلهم، وأيضًا الجرحى والمصابين، بالإضافة إلى صرخات الأمهات اللواتي ينعين أبناءهن الشهداء جراء العدوان.