جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عوف الأصيل




من أول ما بدأت الإذاعة المصرية بث برامجها سنة ١٩٣٤، وطول فترة التلاتينيات والأربعينيات، كانت بـ تنتج نوع من الدراما، بدأ يقل فى الخمسينيات والستينيات، وتقريبا اندثر بعدها، كان اسمه «البرامج الإذاعية».
هى كان اسمها «برامج» بس هى كانت سهرات درامية، مش ممكن زمن السهرة يعدى التلاتين دقيقة، لأن أصلا الشريط اللى بـ يسجلوا عليه مكنش ينفع يسجل أكتر من كده، ومكنش فيه مونتاج، يعنى كان بـ يتسجل كأنه مسرح، بما فى ذلك الأغانى، ولو ممثل غلط، خلاص، الشريط ده باظ، هات واحد غيره، علما بإن الشريط كان يعمل له حاجة بتاعة نص طن، بجد مش على سبيل المجاز.
واحدة من السهرات دى هى سهرة: «عوف الأصيل»..
من خلال السهرة دى وسهرات تانية، تقدر تستشف أهم ملامح النوع ده من الدراما: أولًا، الغنا اللى كان شىء أساسى، والأغنية فى سهرات الإذاعة كان عندها مساحة من الحرية مكنتش متوفرة فى الأغنية اللى بيغنيها مطرب، هنا مثلًا تلاقى عبدالفتاح مصطفى، مؤلف السهرة بأغانيها، كاتب اللى ييجى ف باله، أغنية، موال، بدوى، مصرى، زى ما هو عايز، وطبعا الشغل بالتعاون مع الملحن العظيم أحمد صدقى، اللى ما خدش الشهرة الكفاية غالبا، لأنه ما اشتغلش مع أم كلثوم، لأنه كان بـ يرفض أى تعديلات على ألحانه من ناحية المطرب أو المنتج.
صدقى كان آثارى مخضرم، ورسام ونحات فى دار الأوبرا، وخريج فنون تطبيقية، وملحن مثلًا: «سماح» محمد قنديل، و«يا مسافر وناسى هواك» ليلى مراد، و«فاكراك ومش ناسياك» نجاة على وكتير كتير غيرهم.
الأصوات اللى بـ تغنى هنا كارم محمود، كلنا عارفينه، لكن الصوت التانى اللى بـ يغنى بدوى ده عباس البليدى. البليدى جى من دمياط، درس فى معهد الموسيقى، وكان واحد من نجوم التلاتينيات، جيل عبدالغنى السيد وإبراهيم حمودة، وبعدين طلبوا منه يلحن أغنية «أغار من نسمة الجنوب» بتاعة أحمد رامى، اللى غنتها أم كلثوم بعدين «بس مش بألحان البليدى» ولما لحنها، اكتشف إنه كمان ملحن هايل، فـ بدأ يغنى من ألحانه.
البليدى له أغانى تقدر تدور عليها ف يوتيوب، حاجة مذهلة مع إن كتير منها مش معروف دلوقتى، لكنه غنى مواويل وأغانى فى حفلات وأفلام، كانت حاجة مش طبيعية، بس طبعًا بعد يوليو، وظهور عبدالحليم بدأ اللون ده والأصوات دى فى التراجع، فاعتزل مع أول الستينيات.
بس فيه معلومة مش مظبوطة منتشرة عن البليدى إنه هو اللى كان بـ يغنى فى «الجوز الخيل والعربية»، وده مش صحيح، الصحيح إنه سيد مصطفى، اللى اتكلمت عنه لما جبت سيرة «الجوز الخيل».
ثانيًا، الأجواء الغرائبية والأسطورية اللى بـ تدور فيها السهرات، لأن المؤلفين طبعًا مكنوش يقدروا يخرجوا بره الموضوعات الأخلاقية شديدة المباشرة، وبالتالى شديدة السذاجة، أصلًا الناس كانت بـ تعدى بالعافية فكرة إنه فيه فن وتشخيص ومسخرة هـ يدخلوا البيوت عن طريق الراديو، فـ لازم جرعة الأخلاق تكون «أوفر دوز».
التعويض عن ده كان عن طريق زيادة جرعة المتعة، وده كان بـ يتحقق بالخيال، وكانت حكايات ألف ليلة وليلة، أو حكايات ليها نفس الأجواء، من أهم المصادر للسهرات.
هـ تلاقى هنا العملة المستخدمة هى المجيدى، والمجيدى كانت عملة السلطان عبدالمجيد، اللى سكها سنة ١٨٤٤، وبعد فترة اختفت، وما عادش حد بـ يستخدمها، لكن فضل صدى الاسم فى الذاكرة، وقتها، باعتبارها عملة قديمة، زى ما إحنا دلوقتى بـ نتكلم عن المليم مثلًا، فـ يستخدمها أنور المشرى المخرج، علشان يحقق اللمسة التراثية.
عوف الأصيل
يا حلو نادى لى.