جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تشوه مدفوع الثمن.. منتجات تجميلية مغشوشة بلا رقابة على الإنترنت

جريدة الدستور

اقترب موعد زفافها، فكان شغلها الشاغل، هو البحث عن مستحضرات التجميل التي سترفقها بـ"جهاز العروس"، وخلال تصفحها موقع "فيس بوك"، وجدت أحد الإعلانات في مجموعة تديرها فتاة لعرض المنتجات التجميلية، تعرض شراء بعض الكريمات الخاصة بتفتيح لون البشرة وغسول الوجه والجسد وعليها عرض بخصم معين، بالفعل قامت الفتاة بعمل طلب لتلك المنتجات لتأتيها قبل موعد زفافها.

نور مدحت، 26 عامًا، حدثناها عن تجربتها مع تلك المواد التجميلية، فتقول: "جربت قبل الزفاف كريم البشرة، وبعد ساعة واحدة لاقيت وشي كله طلعله حبوب كتيرة وفي أماكن متفرقة"، مضيفة أنها ذهبت إلى طبيب جلدية، والذي أكد لها أن بشرتها تعاني من التهاب حاد بسبب استخدام مادة كاوية، مرجعًا أن تلك الكريمات تستخدم موادًا كاوية حتى تعطي لونا أفتح من لون البشرة، وهي مواد لا تظهر أضرارها إلا بعد مرور سنوات.

وواجهت "نور" صاحبة تلك المواد لكنها أنكرت، وهو نفس الحال الذي تكرر مع عدد من الفتيات اللاتي اتجهن لمواد التجميل رخيصة الثمن، وذلك في غياب الرقابة من قبل وزارتي الصحة والتموين.

"استرخصت في الحاجة البسيطة وعيني كانت التمن" جملة قالتها "مها" بكل أسى، وهي فتاة في مقتبل الثلاثينيات من عمرها، تتمنى أن تتزين وتبدو جميلة كما ترى صديقاتها.

بدأت مشكلة "مها" منذ أيام حينما قررت أن تستمع لنصيحة إحدى صديقاتها في شراء "ماسكرا" بحجة أنها ستزيد من جمال رموشها، فتوجهت إلى أحد المحلات القريبة منها التي تبيع "كله بـ2.5"، وبالفعل بدأت في استعمالها لفترة، لكن لم يمر أسبوع حتى شعرت بالتهابات في عينيها.

ما كان بها إلا أن توجهت لطبيب متخصص أرجع السبب فيما تشعر به لاستخدام هذا المنتج، والذي كان مجهول المصدر وغير حاصل على ترخيص من وزارة الصحة، فكان الثمن الإصابة بالتهاب القرنية والملتحمة، فتحول المنتج التجميلي إلى أداة للتشويه.

الدكتورة حنان جماز، استشاري الأمراض الجلدية بمستشفى الحوض المرصود، قالت إن أي مادة نستخدمها على الوجه يجب الرجوع إلى الطبيب، لأن هناك بعض المواد التي لا تتناسب مع أنواع معينة من البشرة وتؤدي لنتائج عكسية، مشيرة إلى أن كل أنواع الكحليات تسبب جفاف للبشرة، إلى جانب مواد أخرى ضارة تدخل في تركيب هذه المنتجات، ولا يتم ذكرها ضمن المكونات المدونة على العبوة.

وأضافت "جماز"، في تصريحاتها لـ"الدستور" أن أغلب الحالات التي تعالجها جراء هذه المستحضرات هي التهابات حول العين بسبب استخدام "الكونسيلر" و"الآي شادو"؛ لأن منطقة حول العين منطقة رقيقة وشديدة الحساسية.

تابعت: "أي مواد ضارة أو استعمال زائد يؤثر عليها، أيضًا بعض الفتيات في مقتبل سن الشباب تتجه لوضع كريم لزيادة نضارة بشرتها، لكن الاستعمال الخاطئ يؤدي إلى ظهور حب الشباب أو رؤوس سوداء، كذلك تضع بعضهن العطور على رقبتها أو يديها وعند تعرضها للشمس تتفاعل هذه العطور مع الشمس فتتسبب في ظهور أماكن داكنة في بشرتها".

"S.J" إحدى الصفحات التي تضرر مستخدمو منتجاتها، حيث ادعت صاحبتها أن كل منتجاتها هي مكونات طبيعية 100%، ومعتمدة من وزارتي الصحة المصرية والكويتية.

من إحدى هذه المنتجات كريم أطلقت عليه "جدتي" لعلاج الأماكن الداكنة بالوجه بسبب التعرض المستمر للشمس، لكن النتيجة كانت عكسية، فتروي ميرنا، 20 عامًا، أنها وجدت أن الأسعار المعروضة في تلك الصفحة مقبولة، فأخذت خطوة الشراء، وبعد تجربة المنتج لفترة فوجئت بآثار حروق على المناطق التي تم استخدام الكريم عليها، وعندما واجهت صاحبة تلك المنتجات لم تعرها انتباهًا، ولأن المنتجات غير مسجلة بوزارة الصحة لم تستطع الإبلاغ عن ذلك.

أما حالة إيناس، 21 عامًا، فقد اختصت بمنتجات نمو الشعر، والتي استخدمت منتج ما من منطقة العتبة المبيعة على الأرصفة، إلا أنها فوجئت بتساقط شعرها وتحويل الجزء الباقي منه من أملس إلى خشن.

الدكتور خالد أمين، الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة جامعة عين شمس، يقول لـ"الدستور" إن مصانع "بير السلم" لا تقوم بتنظيف العبوات قبل تعبئتها- أي العبوات الأصلية التي تحمل اسم منتج معروف ويعاد تعبئتها.

يضيف: "فإذا اعتبرنا هذه العبوة تحتوي على منتج مرخص ومسموح به، لكن هذا المنتج محدد له تاريخ صلاحية معين، فكيف أضمن أن بقايا هذا المستحضر لم تدخل في مرحلة الفساد، بالتالي لدينا مصدران للخطورة في هذه الحالة؛ الأول أن المادة غير المطابقة التي تتم تعبئتها وتحتوي على حمل كبير من المركبات الكيميائية الصناعية، بالإضافة إلى أنها تتلوث بمادة منتهية الصلاحية حتى وإن كانت مرخصة".

الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة وعضو اللجنة الفنية لمراقبة الدواء، أكد أن مستحضر التجميل إذا كان مخالفًا للمواصفات يتم الإبلاغ عنه سواء كان مغشوشًا أو إحدى منتجات مصانع "بير السلم"، بعدها يتم الاتصال فورًا بإدارة التفتيش ثم الاتصال بمباحث التموين وتشكيل لجنة من الجهتين، ثم يتم ضبط المكان المتواجد فيه هذا المستحضر ومصادرته وعمل القضايا اللازمة.

ولفت "عبيد"، إلى ضرورة التأكد من وجود رقم التسجيل إذا كان مدونًا على المنتج قبل شرائه، فهذا يعني أنه خاضع للرقابة، كذلك التأكد من أنه مصرح بتواجده داخل مصر، وإلا فهو يعتبر منتج مجهول المصدر ولا يخضع للرقابة.

جملة "منتج خاضع للرقابة" جعلتنا نتوجه بعدها للتواصل مع علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد عام الغرف التجارية، الذي احتج على عدم وجود رقابة على أدوات التجميل الموجودة في العتبة والموسكي، معلقًا بقوله: "محدش بيتحرك إلا لو حصلت مصيبة أو كارثة أو حد بلغ"، مما يعني أنه رغم علم مباحث التموين باحتواء هذه المناطق على مثل هذه المواد الضارة إلا أنها لا تحرك ساكنًا.

وأكد "عوف"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن تلك المستحضرات التي تُباع بأسعار زهيدة لها العديد من مصانع "بير السلم" وتهبط الأسواق بشكل موسع لأنها تقوم بتقليد الماركات العالمية، لكن في حالة اكتشافها والإبلاغ عنها تتجه مباحث التموين لتحليل عيناته لتثبت عدم مطابقتها للمواصفات ويتم تحرير محضر بالواقعة وإعدام المستحضرات.

الأرقام الرسمية تقول أن مصر من أكثر الدول العربية استهلاكًا لمنتجات التجميل، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أكد أن فاتورة واردات مصر من مستحضرات التجميل والعناية بالشعر بلغت 1.7 مليار جنيهًا خلال 6 أشهر الأخيرة شملت مساحيق التجميل بـ468 مليون جنيه، وعطور بـ31 مليون جنيه، ومحضرات للعناية بالقدمين بـ9.6 مليون جنيه.

كما تم استيراد الشامبو ومستحضرات وملمعات وصبغة الشعر ومعطرات الجسم وكريمات الحلاقة والتي بلغت 478.2 مليون جنيه، هذا بالإضافة إلى استيراد مستحضرات تجميل وزينة "مكياج" ومنتجات للعناية بالبشرة واليدين والقدمين بـ 746 مليون واستيراد ورموش صناعية وشعر بشري، وخصلات شعر وحواجب صناعية بقيمة ـ 63.6 مليون جنيه.