جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قصة شارع


جمعنى لقاء بأحد الأصدقاء من الجيران وكانت بداية الحديث حول الشارع الذى نقطن فيه، والذى تحول بعد عدة إصلاحات إلى شارع جديد تمامًا لا علاقة له بالشارع الذى كنا نسكنه منذ حوالى العشرين عامًا.

نعم منذ عشرين عامًا ونحن، سكان الشارع، نحاول أن نصل به إلى المستوى الذى أصبح عليه وفشلنا طوال السنين الماضية لأننا كلما كنا نقصد مكتب محافظ الجيزة أو رئيس الحى كانت الاستجابة هى مسكنات.. رصف بعض الحفر.. محاولة إنشاء رصيف من الوسط.. حملة إزالات سريعة يعود الحال بعدها كما هو مساء نفس اليوم وبعد رحيل الحملة والتصوير.. حتى تولى اللواء أحمد راشد عمله محافظًا للجيزة، وجاء إلى الشارع وأصدر قرارًا بالإصلاح ضمن خطة للنهوض بمنطقة الهرم.. سأتحدث فقط عن ثلث الشارع الذى تم إصلاحه حوالى الثلاثة كيلومترات لشارع موازٍ للهرم بعد أن تم رصفه كاملًا وإزالة كل المخالفات فتحول من شارع عرضه عشرون مترًا إلى شارع يصل إلى أكثر من أربعين مترًا، وتم إنشاء رصيف وأُضىء كاملًا لأول مرة، وأصبح فرصة للهروب من زحمة شارع الهرم.. كل ذلك قد يصفه البعض بالشىء البسيط ولكن عندما قدمت هذا النموذج البسيط لعلاج المشكلة كاملة وحلها من بداية أسبابها أقول لكم ما هى نتيجة رصف شارع بشكل صحيح وإزالة المخالفات به، أكثر من ثلاثين محلًا، ومثلها فى الطريق، تم افتتاحها، هذا يعنى فرصة عمل بشكل مباشر لأكثر من ثلاثمائة شاب، وبشكل مباشر قد يصل إلى آلاف الفرص من العمل، فمحال جديدة تعنى منافذ لتوزيع إنتاج سوف يزيد وتعنى دخلًا أكبر لأسر، وتعنى دخلًا أكبر للدولة، ممثلًا فى ضرائب ورسوم.. هذه المسافة القصيرة والتى لا تقارن بمئات الكيلو مترات من الطرق التى تم إنشاؤها.. مثال بسيط للردّ على من يردد ماذا نستفيد من إنشاء الطرق التى تصل تكاليفها إلى المليارات.. ليس الهدف هو طرق جديدة فقط للربط بين المدن ولكن هناك هدفا آخر هو التنمية وزيادة وتسهيل فرص الاستثمار عندما نتحدث عن شارع بسيط فى العاصمة أو طريق جديد يربط بين مدينتين أو مناطق إنتاج ومناطق استهلاك أو تسهيل لوصول المنتج إلى الموانئ أو المنافذ للتصدير.. إنها منظومة متكاملة للتنمية فإذا كان شارع بسيط يقدم كل فرص العمل هذه، والتى تبدأ من ارتفاع دخول أصحاب العمارات بارتفاع أسعار محالهم ثم دخول مستثمرين صغار إلى تلك المحال وفرص عمل بالمحال وفرص عمل غير مباشرة لخدمة هذه المحال.. هذا سيعنى أيضًا تغيرًا لسلوك قاطنى الشارع، وهذا ما يحدث فى كل منظومة الطرق التى تربط العاصمة بالأقاليم والموانئ بأماكن الإنتاج ثم ربط مصر كدولة بالدول الإفريقية عبر طريق كيب تاون وطرق السودان وأيضًا ربطها بالخليج وآسيا عبر أنفاق سيناء. أمامنا منظومة طرق برية ترتبط بخطة التنمية التى بدأها الرئيس السيسى الآن. تستطيع أن تصل إلى سيناء أو أسوان والصعيد عبر شبكة طرق جديدة، وأن تصل إلى العلمين والإسكندرية فى أقل من ساعتين، كل ذلك سيسهل أيضًا السياحة الداخلية، فالكثير منَّا لم يزر أهم الأماكن فى مصر لبعد المسافة ومشقة السفر.. ولذا يجب أن يتزامن مع منظومة النقل البرى منظومة أخرى للنقل النهرى لتتيح الفرصة للسفر عبر النيل، وهو طريق ممهد وسريع وغير مزدحم، ونستطيع فيه نقل منتجات صناعية ومواد خام طبيعية عبره من أسوان إلى الإسكندرية ودمياط، ونستطيع فيه ربط جنوب القارة الإفريقية بأوروبا.. لدينا هبة من الله يجب استغلالها ليس فقط للإقامة حولها ولكن استغلالها بشكل متكامل.

طرق جديدة تعنى عودة القرية إلى الإنتاج والوصول بإنتاجها إلى المدينة، وتعنى حل مشاكل مصانع جديدة كالمحاجر فى المنيا وحدائق المانجو فى أسوان والمحافظات ومحاجر الرخام فى سيناء، والوصول إلى أهم المقاصد السياحية الجديدة فى جبل الجلالة، وتعنى على مستوى صغير سرعة إنقاذ مريض أو إطفاء حريق.. لذا كانت نظرة الرئيس إلى ضرورة استكمال المشروع القومى للطرق، وأطلق عليه مشروعًا قوميًا لأنه يحمل حلًا لمشاكل عديدة لا تقف فقط عند راحة التنقل أو سرعته، وعندما يكون لدينا شبكة طرق برية جديدة وجيدة مع شبكة نقل جيدة عبر السكك الحديدية والنقل النهرى سنعطى الفرصة لوصول الإنتاج الآسيوى إلى قلب القارة الإفريقية، ووصول الخام الإفريقى وتصنيعه فى أوروبا وآسيا، وستتحول مصر إلى نقطة التقاء للاستثمار والصناعة والسياحة، والتى تعتمد فى نجاحها على شبكة طرق متكاملة الخدمات ويستطيع من خلالها السائح التنقل بين أرجاء مصر بسهولة ويسر بتكلفة أقل.

مشروعات المواصلات القادمة من تطوير للسكك الحديدية وربطها بالسودان ثم بدول أخرى، ومشروعات الأنفاق التى ربطت سيناء بالوادى وربطت أيضًا إفريقيا بآسيا، ومشروعات القطارات السريعة التى ستقضى على مشكلة التنقل بين المناطق الجديدة من العاصمة الإدارية وأكتوبر وبدر والجلالة والقاهرة فى المنتصف من ذلك كله.. الخطط الحالية التى تم تنفيذ أغلبها والخطط القادمة التى يجرى إعدادها ستنقل مصر إلى مستقبل تنهض فيه الدولة، ويستطيع المواطن أن يستريح قليلًا من مشاكل عديدة أحاطت به على مر السنين الماضية.

قصة شارعنا واحدة من آلاف القصص التى تشهدها مصر حاليًا.. مناطق عديدة تحولت فى هدوء وإصرار وعمل وإرادة إلى النقيض تمامًا.. سكان المناطق الخطرة والعشوائية فى تل العقارب ومنشية ناصر والهجانة وغيط العنب تحولوا إلى سكان الأسمرات والروضة والأمل، ويتحول أبناء هذه المناطق من مهن خطرة على المجتمع إلى مشاركين فى تنمية المجتمع ومشاركين فى بناء المستقبل.. انظروا بأمل إلى عام ٢٠٢٠ إنه البداية الحقيقية للتنمية، فيه تستكمل العديد من المشروعات الهامة كالعاصمة الإدارية التى تستقبل أولى مراحل العمل فيها قبل يونيو ٢٠٢٠، وفى نفس التوقيت يكتمل المتحف الكبير بالجيزة ليبدأ استقبال ضيوفه من كل العالم، معلنًا عن إنشاء أكبر متحف مفتوح فى العالم يضم آثارًا لتاريخ وحضارة منذ آلاف السنين، وفيه يكتمل العمل فى منطقة عين الصيرة والسور الأثرى الذى يحمل المياه إلى القلعة على التوازى، نعيد للحضارة الفرعونية زهوتها وجمالها وتاريخها، ونعيد للقاهرة المملوكية والفاطمية روعتها، ونعيد للقاهرة الخديوية جمال عمارتها وتختفى مناطق الحكر وماسبيرو القديمة لتطل علينا فنادق وحدائق فى وسط القاهرة التى تتحول إلى عدة عواصم سياحية فى الهرم وتاريخية فى الوسط وإدارية جديدة تتكامل صورة مصر البهية فى سيناء بالجامعات والمدن وفى الصعيد بالمصانع والطرق.. نعم مصر تنهض ولديها القدرة ولدينا مثال أخير فى تنظيم البطولة الإفريقية، والتى اعتمدت على بنية أساسية رياضية جديدة ونظم علمية متكاملة ورغبة قائد وإرادة شعب فى أن تنهض مصر.