جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قلع.. قيلع.. ترامب!


قرية سورية اسمها «قلع»، تقع بمنطقة واسط، شمال هضبة الجولان السورية، هدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلى سنة 1967، وقامت بتهجير سكانها. وسنة 1983، صارت مستوطنة إسرائيلية، بعد تحريف اسمها إلى «قيلع». ويوم الأحد، ستعقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها الأسبوعى، فى القرية نفسها، وستطلق عليها اسم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب!.
قرار حكومة نتنياهو، الذى تم توزيع مسودته على الوزراء، الخميس، قال إنه «بدافع التقدير لعمل الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، لأجل دولة إسرائيل فى مجالات عدة وكثيرة. وكتعبير عن الامتنان له على الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، تقرر أن تقام مستوطنة جديدة فى الجولان باسم «هضبة ترامب»، مع تكليف وزارة المالية بتخصيص الميزانية اللازمة.
أول أبريل الماضى، وقبل أن يجف حبر البيان الختامى للقمة العربية التى انعقدت فى تونس، بدأت الحكومة الإسرائيلية فى التخطيط لتكثيف الاستيطان فى «الجولان» ببناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية لاستيعاب ٢٥٠ ألف مستوطن، وبإقامة مشروعات سياحية وتجارية. وكان البيان الختامى للقمة العربية، قد شدد على مرجعية القانون الدولى فى التعامل مع أزمات المنطقة. وجدد رفضه الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، وكذا الاعتراف السابق المماثل بشأن القدس.
الإدانات والاستنكارات العربية، الأوروبية، والأممية، كالعادة، لم تغير شيئًا على الأرض. بل إن زيف إلكين، وزير السياحة الإسرائيلى، زعم أن قرار ترامب بشأن الجولان كان «تصفية نهائية للنقاش القانونى حول شرعية السيادة الإسرائيلية على الجولان». وأشار إلى أنه ورفاقه فى حكومة الليكود، يتجهون الآن إلى الحصول على اعتراف مماثل بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، متعهدًا بإطلاق اسم «ترامب» على مستوطنة يهودية أخرى هناك!.
بالتزامن، بدأ رؤساء مجلس المستوطنات فى الضفة الغربية، الخميس، حملة ضغوط شعبية على رئيس الوزراء الإسرائيلى، يطالبونه فيها بأن يضاعف النشاطات الاستيطانية لحكومته، وأن يتعهد برفض إقامة دولة فلسطينية. واتهموا الحكومة بأنها «لا تستغل الظروف الدولية التى نشأت منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، والذى يساند علنًا المشروع الاستيطانى». وفى مؤتمر صحفى عقده أربعة من كبار المسئولين فى المجلس، مجلس المستوطنات، تم الإعلان عن استمرار الحملة، حتى يجتمع بهم نتنياهو ويتعهد بإطلاق خطة واضحة لمضاعفة عدد المستوطنات، وبأن يضع حدًا لما وصفوها بـ«أوهام إقامة الدولة الفلسطينية».
لا معنى لكلام وزير السياحة الإسرائيلى، ولا تفسير لتحركات رؤساء مجلس المستوطنات، غير أن تصريحات ديفيد فريدمان، السفير الأمريكى لدى تل أبيب، لجريدة «نيويورك تايمز» عن حق الإسرائيليين فى ضم بعض أجزاء الضفة الغربية، لم تكن عبثية أو زلة لسان، بغض النظر عن محاولة الخارجية الأمريكية التنصل منها، عبر تصريحات أعلنتها مورجان أورتاجوس، المتحدثة باسمها، الثلاثاء الماضى، زعمت فيها أنه «لا يوجد أى تغيير فى سياستنا المتعلقة بالضفة الغربية»، وأن «واشنطن لا تعترف بالمستوطنات غير القانونية هناك». والإشارة هنا مهمة إلى أن تقديرات حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، تقول إن الضفة الغربية بها 132 مستوطنة يعيش فيها نحو 630 ألف مستوطن. وكلها، كما كل المستوطنات المقامة على الأراضى المحتلة، بما فيها القدس الشرقية والجولان، لا يعترف بها ما يوصف بـ«المجتمع الدولى»، لأنها تنتهك القانون الدولى، وتخالف العديد من القرارات الأممية.
فريدمان، الذى كان محامى ترامب الشخصى، هو فى الأصل مستوطن إسرائيلى. وواحد من «ثلاث قلنسوات يهودية» أو أحد الأضلاع الثلاثة، فى فريق إعداد الخطة الأمريكية للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، مع جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكى وكبير مستشاريه، وجيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكى إلى منطقة الشرق الأوسط. وسبق أن أكد فريدمان، فى فبراير 2018، أن «أى إخلاء للمستوطنات من الضفة، قد يؤدى إلى نشوب حرب أهلية فى إسرائيل». وبسبب هذا التصريح، وبسبب دفاعه المستمر عن سياسة الاستيطان، وصفه الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» بأنه «ابن كلب»، الأمر الذى رآه البعض إهانة للمذكور، بينما لم نره، وما زلنا، إلا إهانة لـ«الكلب» وأبنائه.
وأخيرًا، لسنا فى حاجة إلى ما يثبت، مجددًا، عجز ما يوصف بـ«المجتمع الدولى» عن فرض احترام قوانينه وقراراته. كما لا نحتاج إلى ما يثبت أن جثة منظومة العلاقات الدولية ترقد فى سلام، إلى جوار جثث كل مؤسسات صُنع القرار. وبالتالى، لن يكون مفاجئًا لو اعترف الرئيس الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو على المنطقة العربية كلها، طالما ضمن عواقب ذلك. إذ لا جديد فى ذلك، غير أنه جعل اللعب المستتر مكشوفًا، وطوى عقودًا من تناقض الأقوال الأمريكية مع أفعالها، والآتى أخطر وأعظم.