جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

محمد العسيرى يكتب: قادرين ونعملها


اللى شاف فرحة المصريين بفوز ليفربول ببطولة الدورى الأوروبى يعرف قد إيه إحنا ناس عاطفيين.. نعم ده صحيح.. لكنه يعرف أيضًا أن الأمر أكبر بكثير من مجرد وجود لاعب مصرى فى صفوف الفريق.. الأمر يتعلق بأننا نتخيل أننا جميعًا محمد صلاح الذى استطاع أن يفعلها.. إحنا عايزين نقول لروحنا.. آه إحنا قادرين ونعملها.
فى قريتى هنا فى آخر بلاد الله.. أول بلاد الشمس.. طيبة.. اللى بقى اسمها سوهاج دلوقتى.. عشت سنوات طفولتى أشاهد شغف الأهل البسطاء بكرة القدم.. وكنت مثل أقرانى.. أهلى وزمالك.. وشوية تعصب يظهروا كل يوم جمعة ساعة الماتش.. أو فى المباريات التى نلعبها مع فرق البلاد المجاورة.. وكان الخطيب وحسن شحاتة نموذجين للشخص الذى نتمنى أن نكونه.. فى الملعب.. فقط فى الملعب.. ينتهى بمجرد أن نذهب فى النوم.. أطفال قريتى ذاتها اليوم ليسوا كذلك.. صارت الأحلام التى تأتى بعد النوم هى حياتهم.. هم يحلمون بأن يكونوا محمد صلاح الذى حصد البطولة والفلوس والشهرة والمحبة أيضًا.. ولا يستبعدون أن يحدث ذلك.. ألم يكن قرويًا ريفيًا يلعب الكرة الشراب فى الطرقات المتربة مثلهم.. صار الحلم أقرب إلى عيونهم والأموال الكبيرة أقرب إلى سيالات جلاليبهم.. وصارت ثقة كل طفل من أطفال قريتى الذين يشاهدون صلاح وهو يرفع كأس البطولة أكبر، ولسان حاله: أيوه أنا ممكن أبقى محمد صلاح.
هذه المشاعر الرهيبة التى خلقتها رحلة ذلك الشاب المصرى القصيرة مع النجاح فى بلاد تعرف قيمة الموهبة.. يقابلها واقع سخيف لازم يعكنن عليك فى اليوم التالى، عندما تشاهد تلك المساحات الواسعة من البراح التى كنا نمارس فيها اللعب وقد تحولت إلى حيطان أسمنتية عالية ومستفزة.. وفى المقابل أدى إهمال وزارة الشباب لمراكز الشباب سنوات طويلة إلى تحويلها لخرابات.. وأعاد جيل محمد صلاح الشباب إليها مجددًا.. يحلمون بإصلاح أحوالها.
لن أقول للوزير أشرف صبحى كلامًا كبيرًا من عينة إنها حرب على التطرف، وإن الصعيد محروم، وذلك الكلام الذى أصبح مملًا رغم أنه حقيقة.. لكننى سأنقل إليه ما يشعر به شباب القرى هنا.. إنهم يبادلوننا يا معالى الوزير نفس التجاهل.. نحن أهل القاهرة والحكم والإعلام.. وأقصى طموحاتهم فينا أننا قد نأتى لهم بمستثمر يصنع فريقًا على طريقة الأسيوطى ثم يبيعه بعد ذلك لأى حد يشتريه ويشترى أحلامهم معه، فيصبحون على مسافة قريبة من احتراف محمد صلاح.
للأسف شكوى الشباب هنا من العاملين فى وزارة الشباب مريرة.. فما يطلبونه بسيطًا.. شوية كور.. دعم لا يتعدى الآلاف القليلة يطلبونه من عشر سنوات.. ليتمكنوا من شراء أحذية وملابس.. ورغم ذلك لا شىء يحدث.. إن آخر مرة فكر فيها مسئول حكومى فى تغيير الكتب اللى فى مكاتب مراكز الشباب كانت من عشرين سنة ويزيد.. وبيت الثقافة الذى يجاور مركز الشباب وبه آلاف الكتب تم وضعها ووضعه فى زريبة مواشى.. أقدم بيت ثقافة قروى فى مصر يعيش الآن، حقيقة لا مجازًا، فى زريبة مواشى.. تلك المفارقة تعود بنا من جديد لملعب قديم وفكرة متهالكة، وهى أن الثقافة والشباب خرجوا من مباراة الحرب على الإرهاب والتطرف ولن يحارب سوى الأمن وحده.
هذه المشاعر المتناقضة لا تمنع أن الشباب لم يفقدوا الأمل فى إصلاح الوضع، بدليل أنهم يطلبون زيارة أشرف صبحى وإيناس عبدالدايم.. يعنى إحنا لسه بخير.. ونموذج محمد صلاح قابل للتكرار فى كل حتة ف البلد.. وإن هناك جيلًا جديدًا قادرًا على الأحلام.. أيوه إحنا قادرين نحلم وقادرين نعملها ونحول أيام بلادنا كلها إلى أعياد.. وكل سنة وانتو وبلدنا وأحلامنا بخير.