جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الإرهاب يفرض شروطه!


جولات من المفاوضات فى العاصمة القطرية الدوحة، وزيارات إلى دول أوروبية وإقليمية وعربية، ولم يحقق زلماى خليل زاد، المبعوث الأمريكى إلى أفغانستان، أى تقدم فى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، ولا توجد أى مؤشرات على أن الحرب الدائرة فى أفغانستان، منذ 18 سنة، قد تنتهى إلا بموافقة الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية على شروط حركة «طالبان» الإرهابية، التى بدا واضحًا أنها صارت فى وضع أفضل وقادرة على تحقيق المزيد من المكاسب على الأرض!.
انطلاقًا من هذا الفشل، اختار «المبعوث الأمريكى» أن يبدأ من العاصمة الهندية، نيودلهى، جولة جديدة لإعادة إحياء المفاوضات مع «طالبان»، وأعلن فى حسابه على «تويتر» أنه التقى وزير الشئون الخارجية الهندى ومستشار الأمن القومى، لمناقشة عملية السلام الأفغانية والدور الهندى فى دعم الاستقرار بأفغانستان وإنهاء حالة القتال فى البلاد، والقضاء على الإرهاب. وقيل إنه التقى، طوال الأسبوع الماضى، بعدد من شيوخ القبائل الأفغانية والشخصيات البارزة فى «كابول» لاستطلاع آرائهم بشأن الشروط التى وضعتها «طالبان»!.
بالتزامن، تواصل الولايات المتحدة تدريب القوات الأفغانية الحكومية فى الميدان، وتشنّ هجمات جوية على المواقع التى تسيطر عليها قوات «طالبان»، ويقال إن الهدف الأساسى من تلك الهجمات هو محاولة دفع الحركة إلى القبول بالجلوس على طاولة التفاوض، والموافقة على تسوية سياسية؛ لإنهاء حالة الحرب، التى كلّفت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار، ومع ذلك ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، أن الحركة ما زالت تسيطر على ٢٠٪ من الأراضى الأفغانية، وتتنازع على ٢٢٪، بينما قالت تقارير إن بعض الولايات التى تزعم الحكومة الأفغانية سيطرتها عليها، لا تزال عمليًا وواقعيًا، تحت سيطرة «طالبان».
الواضح هو أن الولايات المتحدة فشلت فى الضغط عى «طالبان»، عبر أطراف اعتقدت أن لها تأثيرًا على الحركة، بينما أكدت الحكومة الأفغانية التزامها بالسلام، وتطالب بضرورة مشاركة جميع شرائح المجتمع فى الحوار الأفغانى، ترى طالبان أن «غنى» وحكومته مطية أمريكية، وكثيرًا ما أعلنت عن عدم قبولها التفاوض معها، وتصر على أن تكون المفاوضات مع الجانب الأمريكى بشكل مباشر، وأن يكون أول بنودها هو بحث انسحاب القوات الأجنبية الأمريكية أو غيرها من أفغانستان. فى حين تطالب الولايات المتحدة قبل الموافقة على الانسحاب، بأن تقدم «طالبان» ضمانات أمنية، غير أن الحركة أصرّت على موقفها، وتوقفت عند نقطة إعلان الولايات المتحدة عن جدول زمنى للانسحاب.
منذ شهور، تجرى الولايات المتحدة مفاوضات ثنائية منفصلة مع «طالبان» فى الدوحة كجزء من الجهد، الذى تبذله للتوصل إلى اتفاق سلام، وفى فبراير الماضى، بدا خليل زاد متفائلًا بسير المفاوضات، وظهرت ترجيحات باقتراب التوصل لصفقة بحلول يوليو المقبل، لكن سرعان ما دب الخلاف بين كل الأطراف ووصل إلى طريق شبه مسدود، ومن بيان أصدرته الحكومة الأفغانية، فى 19 أبريل الماضى، عرفنا أنها ألغت اجتماعًا كان مقررًا أن تعقده فى اليوم التالى «20 أبريل» مع حركة «طالبان» فى قطر، واتهمت الدوحة بإفشاله «بعد الانتهاء من جميع الاستعدادات لمغادرة الوفد الحكومى»، ووقتها أعرب المبعوث الأمريكى إلى أفغانستان عن خيبة أمله؛ لتأخير الحوار الأفغانى الداخلى، وكتب على تويتر: «نحن على اتصال مع كل الفرقاء، وشجعنا الجميع على أن يبقوا ملتزمين بالحوار». وطالب المذكور كل الأطراف بـ«انتهاز الفرصة وإعادة الأمور إلى مسارها».
كان مبرر أو «تلكيكة» الغزو الأمريكى، قيام الحركة حركة «طالبان»، بتوفير ملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، الذى تم اتهامه «وأعلن مسئوليته» عن هجمات 11 سبتمبر ٢٠٠١، ومع أن القوات الأمريكية، بمشاركة القوات التى تحالفت معها، أطاحت بحكم «طالبان»، فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١، إلا أن الحركة لا تزال تقاتل إلى الآن، وقيل فى تفسير أو تبرير ذلك أن الترابط القبلى على الحدود الأفغانية الباكستانية أتاح لمقاتلى الحركة الانسحاب إلى باكستان وإعادة تنظيم صفوفها، وتوالت ظهور التفسيرات أو التبريرات؛ حتى وصلت إلى مرحلة اتهام روسيا بدعم «طالبان» و«القاعدة»، مع أن مقاتلى التنظيمين، أو القيادات على الأقل اكتسبوا خبراتهم ومهاراتهم القتالية خلال مشاركتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى السابق، التى قامت الولايات المتحدة، خلالها، بدعم وتدريب وتمويل من كانوا يوصفون بـ«المجاهدين الأفغان»!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مقاتلى طالبان يتراوح عددهم بين ٢٠ و٤٠ ألفًا، يواجهون ٣٥٠ ألفًا من القوات الأفغانية المدعومة بأحدث الأسلحة، وبقوات أمريكية وأخرى متحالفة، كان عددها ١٤٠ ألف جندى، قبل أن ينخفض إلى حوالى ١٤ ألفًا، ومؤخرًا أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه سيسحب نصف هذا العدد «أى ٧ آلاف» بهدف خفض النفقات الخارجية.