جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هل نحن ديمقراطيون؟


سؤال تبادر إلى ذهنى وأنا أراقب ما يحدث فى الشارع السياسى، وألح علىّ السؤال إلحاحًا شديدًا، ولم أجد مفرًا من طرحه لعلنى أصل إلى إجابة شافية.. ولكننى عندما أنظر إلى موقفنا من قضيتين:
القضية الأولى: التعديلات الدستورية. والثانية: مدى احترامنا كلمة القضاء عندما يحكم فى قضية نزاع معروضة أمامه.. ففى قضية التعديلات الدستورية، يحاول البعض أن يفرض رأيه على الشعب، فهناك من يسخر وسائل التواصل الاجتماعى للتأثير على عملية الاستفتاء، وتوجيه الشعب لكى يقول لا، وفى أضعف الأحوال، المطالبة بعدم خروج الناس للتصويت فى الاستفتاء.
هذا يحدث مع أننا نعلم جميعًا أن الظروف التى وضع فيها الدستور الحالى شابها بعض المبالغة فى الشطط نحو البرلمانى على حساب النظام الرئاسى، وبدا أن اللجنة التى صاغت الدستور، تميل إلى النظام البرلمانى، وتغليب سلطات البرلمان على سلطات رئيس الجمهورية، وهو ما ظهر جليًا فى غل يد الرئيس عن حريته فى تشكيل الوزارة، وضرورة موافقة البرلمان عليها، وهو ما شكل نوعًا من الانحراف وتغول السلطة التشريعية على سلطة الرئيس التنفيذية، فالرئيس مسئول أمام البرلمان عن السلطة التنفيذية، وبالتالى يجب أن تترك الحرية فى اختيار الوزراء دون تدخل من أى سلطة أخرى.
ومع أن خطوات تعديل الدستور منصوص عليها فى الدستور، فإن البعض ينساق وراء محاولات تعطيل التعديل، بحجة التخلص من الحكم غير المحدد المدة الذى نصت عليه الدساتير السابقة على ثورة يناير.. والغريب أن هناك قوى سياسية ثورية عديدة وأحزابًا وأساتذة جامعات وثوارًا ومفكرين نادوا بعدم رغبتهم فى تعديل الدستور، ونسوا أن هناك شعبًا يمتلك كل فرصته فى التعبير عن رأيه دون وصاية من أحد.
والثانية: مدى احترامنا لما شاهدناه فى قاعة محاكمة مبارك، عندما قامت مجموعة من المحامين والمدعين بالحق المدنى بالهتاف ضد الحكم، ووصفوه بالظلم، وهتفوا داخل القاعة بـ«الشعب يريد إسقاط القضاء».. ولم يكتفوا بذلك بل تبادلوا اللكمات، وظهر مصابون بآلات حادة، والدماء تنزف منهم. ولا يمكن لأحد أن يدعى أن هؤلاء لا يفهمون القانون، ولا يعرفون أن وصف الحكم بالظالم، إنما وصف لا يليق برجال كان القانون مهنتهم. ومما لا شك أننى التمست لهم العذر، فقد كانوا يتوقعون حكمًا أشد، ولا يريدون البراءة لأحد حتى لو كان يستحقها قانونًا.
وما يُستغرب أن بعض المثقفين نادوا بمحاكمات ثورية، وقد كانت لدينا تلك المحاكم فى أعقاب ثورة ١٩٥٢، وهى مهازل وليست محاكم، ونسى البعض أننا تخلصنا منها مع إطلالة ثورة يناير، وارتضينا النهج الديمقراطى والقانونى. وقد أظهرت أجهزة الإعلام عن عمد بعض المتشنجين، وهم يشتمون الحكم والقضاة والمجلس العسكرى، بل ظهر بعض القضاة السابقون، وأعلنوا على استحياء أن الحكم لم يكن شافيًا.
وكان بعض ضيوف برامج الفضائيات أشد انتقادًا للحكم، وناشدوا عبر شاشات التليفزيون شباب الثوار الاعتصام فى ميدان التحرير. والغريب أن بعضهم كان من رجال حقوق الإنسان الذين لا يرضون الظلم لأحد.. كما طالب أغلب المتحدثين المواطنين بالتوجه إلى ميدان التحرير للانضمام إلى المظاهرات لإكمال مسيرة الثورة.
فيما أعلن أحد أعضاء البرلمان، أن القاضى أخطأ أكثر من مرة، بدءًا بالمقدمة التى ألقاها، وكان يجب عليه البدء بالحكم، وأنه غرر بالشعب المصرى، وطالب عضو آخر بإقالة النائب العام من منصبه بسبب عجز النيابة عن تقديم أدلة ثبوت للجرائم التى ارتكبت ضد الثوار خلال أحداث الثورة، ودعا ثالث إلى إصدار تشريع جديد خلال الأيام الثلاثة التالية لإجراء محاكمات عاجلة لرموز النظام السابق.. ونسى الجميع أن الأحكام القانونية لا يجوز التعليق عليها إلا أمام المحاكم، أو فى مجال الفقه القانونى.