جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

غريزة الأمومة.. فن جميل ومشاعر حب والتضحية من مظاهر شرفها

جريدة الدستور

"غريزة الأمومة" حلم ورغبة دائمة لدى الفتاة التي تتشوق ليد صغيرة تمسك بتلابيب أصابعها، وتترقب المرأة هبة الأمومة بكل حب وحنان وشغف مهما لاقت من آلام وصعاب، فالأمومة خاصية بيولوجية ونفسية فريدة ميزها بها الله، ورغم أن علوم الأمومة البيولوجية والنفسية، ما زالت عاجزة عن تفسير غريزة الأمومة، وباتت لغزا يحير العلماء، ألا أنه من المُسلم به أنها في الكائنات فطرة عفوية وتلقائية وطبيعية، وتكون في الإنسان عقلنه وقيم وحضارة، حيث تنتج عاطفة الأمومة طفولة واعدة ومستقبل مشرق للأبناء والأجيال والأوطان.

والأمومة هي حالة جامعة لكافة الصفات السامية للجمال، متجسدة في التربية ورعاية الأبناء، لذا تضحي الأم بكل ما هو غال ونفيس لديها، وتتنازل عن الكثير من رغباتها الخاصة كي تسعد صغارها، فالأمومة من الفضائل الملكوتية التي تتجلى فيها كافة المعاني من الحب والتقوى الجميلة وصفة الصراحة والإخلاص، وتقديم التضحيات، وهي ذاك العلم العميق والأصول الدقيقة الموجودة بقلب كل أم تسعى للكمال في تربية الصغار دون مصلحة أو طمع.

فمشاعر الأمومة أرقى من أن تخضع للمقارنة، وتناولتها بعض الدراسات العلمية بالبحث في محاولة لفك شفرتها، مؤكدة دور الهرمونات في خلق غريزة ومشاعر الأمومة التى خلقت عليها المرأة، حيث كشفت عن ظاهرة كيميائية فريدة من نوعها تفسر العلاقة العاطفية الخاصة بين الأم وطفلها، والحب غير المشروط الذي لا يتدخل فيه العقل، ففي كلية الطب بجامعة (هارفارد) الأمريكية، أشارت دراسات إلى أن مشاعر الأمومة الفياضة تعود بالدرجة الأولى إلى عمل بعض الهرمونات التى تحافظ على صحة المرأة وحيوية خلايا الجسم وأعضائه المختلفة، كما إنها تعمل على نمو صفات لها علاقة وثيقة بالمشاعر المرتبطة بالعاطفة، كالحب والعداء والخوف والقلق.

وغريزة الأمومة أقوى من غريزة الحب ذاته، لأنها علاقة سامية تربط الأم بأولادها، وهي الحب الأعمق دون انتظار مكافأة أو جزاء معنوي، والتضحية مظهر من مظاهر شرف هذه الغريزة، فالأم أمام كل جمال الحياة لا ترى غير أبنائها، بعاطفة فياضة مليئة بالتضحية والحنان والإيثار لأبنائها، وتنحاز لذلك الفن الجميل المتقن، الذي يحتاج لزمن ولدقة متناهية، لينتج ابن بار تربى تربية صالحة، محب للخير والعدل والكمال والتقوى، يعمل دائما لرفع رايات الحق.

وتكمن صعوبة دور الأمومة في المسئوليات الصعاب التي تتحملها تجاه نفسها وتجاه الزوج والأبناء والمجتمع وأمام الله عز وجل، فمهمة صناعة الآخرين عسيرة، لما تتطلبه من حتمية تنشئة الأبناء تنشئة سوية حسنة، وتوفير الاستقرار في الأسرة، والعمل على أن تسود مشاعر الود والمحبة بين أفرادها، والأم الناجحة هي من تنجح في إشباع احتياجات الطفل من العطف والحنان والاهتمام، وهي من تترك بصمات قيمة وهامة في نفسه، وتساعده في التفوق، وبهذا تهدي مجتمعها إنسانا قويا يستطيع مواجهة الحياة.

كبير ذلك القلب الذي تحمله الأم، ومتدفق عطاؤها المتفاني، وعظيمة تلك المشاعر والأحاسيس التي أودعها الله فيها، ومعجزة إلهية كبرى تلك العواطف التي جبل الله عليها قلوب الأمهات، والتي من شأنها استمرار عجلة الحياة.