جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عادل عصمت: بعض الأدباء الشباب يكتبون تقارير صحفية بشكل أدبى وليست روايات

جريدة الدستور

أشعر بسعادة بالغة بعد وصول روايتى «الوصايا» لترشيحات «البوكر»
سيطرة تيمة الاغتراب على كتاباتى لا تعبر عن كونى «مقموص» من المجتمع



أعرب الروائى عادل عصمت عن سعادته بوصول روايته «الوصايا» إلى القائمة الطويلة للأعمال المرشحة لنيل جائزة الرواية العربية «البوكر»، نظرًا لما يتيحه ذلك لها من انتشار واهتمام جماهيرى فى ربوع الوطن العربى.
وأشاد «عصمت»، فى حواره مع «الدستور»، بفكرة الجوائز الأدبية وما نتج عنها من إثراء الساحة الأدبية بالكتّاب الشباب، محذرًا فى الوقت ذاته هؤلاء الكتّاب من الوقوع فى أسر الأنماط والتوجهات السياسية والأدبية لبعض الجوائز، نظرًا لتأثيرها السلبى على إنتاجهم. ونفى الأديب الطنطاوى أن يكون استخدامه تيمة «الاغتراب» فى معظم أعماله ناتجًا عن إحساس خاص بالمرارة وعدم التقدير الاجتماعى، وكشف عن تأثره الشديد بعالم نجيب محفوظ وطريقته فى الكتابة، ما جعله يستخدم مدينته «طنطا» خلفية روائية لمعظم أعماله على غرار الحارة فى كتابات «أديب نوبل».



■ كيف ترى وصول روايتك «الوصايا» إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر»؟
- أشعر بسعادة بالغة بعد وصول «الوصايا» للقائمة، فمن المفرح أن تجد الرواية طريقها خارج مصر، فربما يثير ذلك اهتمام مزيد من القراء بها فى مناطق مختلفة، ويزيد دائرة قرائها لتشمل كل من يتحدثون العربية، وهو أمر يطمح إليه أى كاتب، وأظن أن القيمة الحقيقية لأى جائزة أدبية تكمن فى إثارة الاهتمام حول الأعمال الجديدة.
■ فزت من قبل بجائزتى «نجيب محفوظ» و«الدولة التشجيعية فى الرواية».. هل تسهم الجوائز فى تحسن المناخ الأدبى العام؟
- يكفى أنها تخلق هذا الجو الحماسى حول فن الرواية، وتثير الترقب وتكثف النقاشات حول من يستحق ومن لا يستحق، وهذه الإثارة وحدها تمنح فن الرواية دوائر أوسع من الانتشار وتمنح الكتّاب قراء جددًا، وتثرى الفن الروائى بعدد من المواهب الجديدة.
■ لكنك تحدثت فى وقت سابق عن التأثير السلبى للجوائز على شباب الأدباء.. كيف يحدث ذلك؟
- المشكلة ليست فى الجوائز، وإنما فى ظن شباب الكتّاب أن للحصول على الجوائز وصفات محددة، ما يدفعهم لإعداد أعمال روائية خاصة للحصول على جائزة بعينها، ذات توجه ونمط محدد، وهذا هو السبب الذى جعلنى أقول يومًا إن «الجوائر تُفسد الأدب»، وذلك لأنها تقيم فوق الكتابة سلطة وتضع لها أفقًا. وفى رأيى لا يمكن إنتاج عمل روائى أصيل دون أن نمنح النص تفرده، خاصة أن المواهب الشابة تنتج رؤيتها الفريدة المتوافقة مع ما عايشته، وهذا أمر قد لا يتوافق مع مانحى الجائزة، وهنا يأتى السؤال الذى يجب أن يطرحه كل كاتب على نفسه: ماذا أفعل فى هذا الوقت؟ هل سأتوقف عن الكتابة.. أم ألتزم بنمط محدد؟.
■ فى تقديرك.. ما الأنماط والموضوعات الأدبية التى تحفز الجوائز إنتاجها أكثر من غيرها؟
- يسود حاليًا إحساس لدى بعض الأدباء الشباب بأن الروايات التى تفوز بالجوائز هى التى تتناول الموضوعات الساخنة على الساحة العربية، مثل الحروب الأهلية والأقليات والاضطهاد العرقى والثورات العربية، لذا يندفعون إلى الكتابة فى هذه الموضوعات التى ربما تحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن تترسخ فى الوجدان وتظهر معانيها الحقيقية، حتى تتحول إلى رواية، لا مجرد متابعة صحفية أخذت شكلًا روائيًا.
وهنا يجب أن يضع كل أديب فى اعتباره أمرًا مهمًا، فليست كل رواية فازت يومًا بجائزة حظيت بالقبول الجماهيرى أو استقرت كأحد الإسهامات فى فن الرواية العربية، فهناك أعمال نجحت فى الاستحواذ على الجوائز لكن لم يعد أحد يتذكرها حاليًا، وهناك روايات لم تحصل يومًا على أى جائزة، ومع ذلك ظلت تثير اهتمام القراء وتقدم لهم مجالًا واسعًا من المتعة الفنية لأنها ألقت الضوء على معنى فى حياتهم.
■ ألا يمكن أن تسهم الجوائز فى ريادة بعض الدول الجديدة على الخارطة الإبداعية للعالم العربى؟
- لا أظن ذلك، فالإبداع كنشاط إنسانى فى أى مجال تتجلى فيه حيوية الشعوب أولًا، وهذه الحيوية تتضح فى كل مجالات العالم والفن والأدب، وهذا الأمر لا تصنعه الجوائز فقط.
■ بالعودة إلى «الوصايا».. ما الموضوع الأساسى للرواية؟
- «الوصايا» تتأمل فيما يفعله الزمن فى الأشخاص، وهو أمر لا يختص بمفهوم الهزيمة أو الانتصار، بل مفهوم آخر يرى أنه لا أحد يمكنه أن يقاوم الزمن أو يفلت من أثره، فهى تتابع آثار الزمن وتبدلاته وما يلحقه بالشخصيات من تغير، وتتتبع حياة البشر وكيف يمكنهم إنتاج شىء ما فى حياتهم، ثم يصبحون هم أنفسهم ضحيته.
فـ«الشيخ» فى الرواية يتخلى عن حلمه فى أن يصبح أحد علماء الأزهر، ثم يعود لبلدته كى يرعى أسرته ويستعيد أرض أهله التى ضاعت خلال الأزمة المالية فى ثلاثينيات القرن العشرين، وفى سبيل حلمه يبذل جهودًا كبيرة فى استعادة الأرض ويحاول إعادة الحياة إلى العائلة، لكنه فى النهاية يجد نفسه وحيدًا غير قادر على تحمل ما أحدثه الزمن من تغير فى العلاقات، وغير قادر على فهم المستجدات والصراعات، ما يجعله غريبًا حتى عن المحيط الذى أحدثه لنفسه.
وهنا نرى الأفعال الخفية للزمن فى تصرفات «الشيخ»، كما نرى أن الزمن نفسه ربما استخدم هذه التصرفات من أجل دفعه ناحية مسار بعينه، حتى إننا فى نهاية الرواية نراه يعيد تقسيم الأرض مرة أخرى فى مسار معاكس لحلمه الذى بدأ به.
■ فى بداية الرواية كانت شخصية «الجد» تمسك بزمام الحكى وفى نهايتها كان «الحفيد» هو الراوى.. فما دلالة ذلك؟
- «الوصايا» محكية بضمير المتكلم فى فصليها الأول والختامى، أما سيرة العائلة فمحكية بضمير الغائب، والحوادث المركزية للرواية تدور كلها فى يوم واحد، هو اليوم السابق لوفاة «الشيخ»، عندما يستدعى «الحفيد» ويلقى إليه بوصاياه، لكن هذا اليوم تخترقه حكاية طويلة بضمير الغائب، تتناول قصة العائلة وما حدث لها بداية من ضياع الأرض حتى وفاة «الشيخ».
ولا يمكننى أن أجزم بدلالة تغير الضمائر فى الحكى، ولا أقر ما ذهب إليه البعض من أنها تعكس تقلب الأزمنة وتعاقب الأجيال، ففى رأيى أن حكاية العائلة كان من الضرورى أن تكتب بضمير الغائب، لأنها ليست ملكًا لـ«الشيخ» ولا «الحفيد»، ويجب ألا تتأثر بأهواء الأول أو تحيزات الثانى، لذا كتبت هذه الأجزاء بضمير الغائب لكونها العمود الفقرى للنص، أو يمكن القول إنها تمثل الذاكرة الجمعية للعائلة، فى محاولة لإنصاف الشخصيات التى عاشت هذه الدراما.
■ دائما ما يستخدم الروائى عادل عصمت أهل طنطا كأبطال لأعماله.. فما السبب فى ذلك؟
- الكاتب يستوحى شخصياته ممن عايشهم فى حياته أيًا كان مكانهم، لكنه عندما يريد أن ينتج رواياته يبحث عن توطينهم فى بيئة معينة، ويمكنه هنا أن يخلق أماكن خيالية أو يستخدم أماكن حقيقية سبق له أن عرفها وعاش فيها.
من جهتى أميل لاستخدام الأماكن التى عشت فيها كخلفية لحياة شخصياتى، فبعض هذه الأماكن كانت ذات سحر خاص، وحين تطل على ذهنى تصطحب معها مناخها، مثل شارع «درب الأثر» فى طنطا، وهو مكان تجارة العطارة والتوابل ومستلزمات «السبوع»، وهذا الشارع القديم ظهر أكثر من مرة فى أعمالى مثل روايتى «أيام النوافذ الزرقاء» و«صوت الغراب». وهنا يجب أن أفرق بين الكتابة عن طنطا نفسها المدينة والتاريخ، وعن استخدام هذه المدينة كخلفية ومناخ روائى لشخصيات تتخطى حدود المكان، فأنا لا أكتب عن طنطا وإنما أستخدمها، وشخصيات روايتى وإن كانوا يعيشون فيها إلا أننى أطمح روائيًا إلى كشف وجههم الإنسانى العام الذى يشتركون فيه مع أناس من أماكن أخرى، حتى أخلق شخصيات روائية حية تعيش فى أذهان الناس فى كل مكان.
■ ألا يبدو هذا التوجه الأدبى مشابهًا لمشروع الأديب الكبير نجيب محفوظ وحارته؟
- نجيب محفوظ بالنسبة لجيلى كان مناخًا كاملًا، يصعب أن ننفصل من تأثيره أو نحدد نهايته، وقد بدأت قراءته منذ الإعدادية ثم اهتممت فى الجامعة بيوسف إدريس، وبعدها عدت إليه من جديد عندما قررت الكتابة، ولم أبرح عالمه حتى هذه اللحظة.
وحياة «محفوظ» وطريقته فى التفكير- كما قلت سابقا أثناء نيل جائزته فى الجامعة الأمريكية- جعلته قريبًا من وجدان كل مصرى، فملامحه تُشبه ملامحنا، وحياته تُشبه حياة أى موظف مصرى، ومع ذلك استطاع أن يحول قصصنا السائلة فى الفضاء إلى روايات وقصص يقرؤها الناس فى كل بقاع الأرض.
■ هل تأثرت إذن بطريقته فى تحويل الكتابة لنمط يومى روتينى؟
- هذا صحيح، خاصة أن كتابة الرواية تستلزم مواظبة وعملًا متواصلًا لفترة طويلة من الزمن، وإن تركت الكتابة للصدفة والأحوال فلا يمكن إنجازها. وعندما بدأت الانشغال بكتابة الرواية، قررت أن أرسخ لنفسى روتينًا يوميًا، يبدأ فى الصباح الباكر قبل نزولى إلى العمل، وهذه هى أهم فترات الكتابة بالنسبة لى، وفيها أكتب الصفحات الأساسية فى رواياتى، ثم بعد ذلك أخرج إلى العمل. وفى المساء، إن توافر لدىّ وقت وسط انشغالاتى اليومية وتلبية متطلبات الحياة، فقد أعمل على المشهد الذى كتبته صباحًا وأطوره، لكننى عادة أترك بقاياه كى أبدأ عليها العمل فى الصباح التالى.
■ كشفت من قبل أن فكرة «الوصايا» ظلت تراودك ٣٠ عامًا كاملة.. فلماذا لم تقرر إفراغها على الورق طيلة هذه المدة؟
- هذا صحيح، فقد ظللت أحلم بهذه القصة منذ كنت فى الجامعة، وسبق أن شرعت عدة مرات فى كتابتها، لكن لم تكن لدىّ الخبرة أو البصيرة الكافية التى تمكننى من الإحاطة بهذا العالم المعقد والمتعدد الشخصيات، كما أننى لم أتمكن من السيطرة على الفترة الزمنية الطويلة الممتدة من ثلاثينيات القرن العشرين وحتى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.
وظل الأمر صعبًا لسنوات طويلة، حتى ظننت أننى لن أكتب هذه القصة أبدًا، خاصة أننى بدأت المحاولة الأولى فى كتابتها عام ٢٠٠٢، وبعدما انتهيت من مسودتها الطويلة لم تعجبنى، ولم أتمكن فيها من القبض على جوهر التجربة ولا الوصول إلى نهايتها، واتضح لى أن الأمر يحتاج نضجًا فنيًا، لم يكن فى متناول يدىّ فى هذه الفترة، فانصرفت عن القصة وخيل إلىّ أننى لن أتمكن منها أبدًا، فشرعت فى كتابة أعمال أخرى.
■ كيف عدت إليها من جديد؟
- على ما يبدو ظلت الفكرة تعمل فى خيالى وتنمو ببطء وصبر دون وعى منى، وفى عام ٢٠١٥ صادفت تيمة «الوصايا»، وشعرت أننى وجدت المفتاح الذى يمكننى من فتح هذا الصندوق الذى ظل مغلقًا زمنًا طويلًا، وأثناء كتابتها هذه المرة، زودتنى خبرتى فى كتابة الروايات السابقة بحلول فنية كان من الصعب أن أعثر عليها عندما شرعت فى كتابتها للمرة الأولى.
■ تسيطر تيمة «الاغتراب» على كتاباتك.. فهل هى منحى أدبى أم إحساس شخصى بالاغتراب عن المجتمع؟
- تيمة «الاغتراب» فى الكتابة لا تعنى بالضرورة أن الكاتب «مقموص» من المجتمع، أو أنه يشعر أن الدولة لا تقدره، وأن «الاغتراب» يزول بمجرد حصوله على التقدير، فالأمر فى نظرى أبعد من ذلك، فالمسألة لها علاقة بضيق الإمكانات التى يتيحها المجتمع لأفراده. فمثلًا، كان «الاغتراب» مسيطرًا على روايتى «صوت الغراب» وعلى شخصية الراوى فيها، لكن كل من يدقق النظر فى الرواية سيرى أن أساس «الاغتراب» فيها هو الشروط الاجتماعية التى لا تتيح للفرد تحقيق ذاته، فبنية العلاقات العلاقات القائمة على الجبر والتسلط والأنانية ورفع الثروة فوق البشر، والصراع المميت على أشبار الأرض والصورة الذهنية للعائلات فى نظر من حولهم، وغير ذلك من الشروط الاجتماعية، تضيق على الأشخاص، خاصة ذوى الحساسية الخاصة مثل بطل الرواية. والأزمة هنا أن هذه النوعية من الشخصيات لا تجد لها مجالا لتحقيق الذات، بل تؤدى الشروط الاجتماعية والسياسية والإنسانية المحيطة إلى انسداد فى الأفق أمامهم، وربما ضياع المستقبل من أعينهم، وهو ما يؤدى لـ«الاغتراب»، الأمر هنا لا يخص شخصيتى ككاتب ولا شعورى بالتقدير من عدمه.
■ مضت ٤ سنوات على نشر مجموعتك القصصية الوحيدة «قصاصات».. فما سر تراجع إنتاجك فى مجال القصة القصيرة؟
- يبدو أن كتابة الرواية استنفدت كل جهدى، خاصة أنها تتطلب عملًا وتركيزًا ومتابعة لفترات زمنية طويلة، ورغم ذلك فإن كتابة القصة القصيرة تناوشنى كثيرًا، وأحاول الكتابة فيها على فترات متباعدة، وتراكمت لدىّ مع الوقت مجموعة جيدة من القصص، ربما أقوم بإعدادها للنشر فى المرحلة المقبلة.
■ تعمل فى مجال قريب من حقل التربية والتعليم.. كيف أثر ذلك على قدراتك الأدبية؟
- كان من حسن حظى أننى عملت فى مجال المكتبات المدرسية، فى مدارس وزارة التربية والتعليم، وهذه الوظيفة بالتحديد هى أكثر ما كنت أحتاجه كى أكون على صلة دائمة بالكتابة، بمعنى أن مهنتى التى «آكل منها عيش» مرتبطة بالكتابة والكتب.
وأكبر الفوائد التى حصلت عليها من العمل فى هذا المجال كانت فهم خارطة المعرفة البشرية والتعرف على تفاصيل كل فرع من فروعها ومدى تنوعها وتشابك مكوناتها، خاصة أننى درست علم المكتبات بعد حصولى على درجة الليسانس فى الفلسفة.
وكلا المجالين فتحا الباب أمام هوايتى ككاتب قصص، فأن تبقى يومًا كاملًا كى «تفهرس» رفًا من الكتب فى قسم العلوم البحتة، يمكنه أن يجعلك تتعرف على التنويعات المختلفة لعلوم الحياة، وهو أمر شيق جدًا خاصة أنه لا يشعرنى بالغربة عن عالم الكتابة، بل يجعل الوظيفة قريبة من الهواية.