جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هاروكي موراكامي يكتبُ قصصًا أيضًا

جريدة الدستور

كثير من الكتاب يجمعون بين كتابة الرواية والقصة القصيرة، وغالبًا ما يكون الاهتمام منصبًا على الرواية عند الترجمة إلى العربية. فتسقط القصة القصيرة فريسة التجاهل المتعمد أو الضمني، حتى أصبح من النادر أن يكون لدينا مجموعة قصصية كاملة مترجمة للعربية لأي كاتب في العالم. ولو أن كاتبًا لا يكتب سوى القصص القصيرة فإننا قد نتجاهل ترجمتها تمامًا حتى لو كان يكتب بلغة شائعة كالإنجليزية مثل ما حدث مع أليس مونورو. اللهم إلا ما نجده منثورًا هنا وهناك في الصحف والدوريات العربية بما يلائم مساحة النشر لا أكثر.

يشبّه هاروكي موراكامي في مقدمة مجموعته القصصية "صفصاف أعمى، امرأة نائمة" كتابة الروايات بزراعة غابة، بينما تكون كتابة القصص القصيرة أشبه بزراعة حديقة. ويرى أن العمليتان تكملان بعضهما البعض لإنشاء منظر طبيعي متكامل.

ويقول "موراكامي" عن قصصه: "أتذكر بوضوح كل لحظة جلستُ لأكتب إحداها، وكيف شعرت وقتها. إن القصص القصيرة كالعلامات الإرشادية نحو قلبي. وأنا سعيد جدًا ككاتب بمشاركة هذه المشاعر الحميمة مع قرائي. قصصي القصيرة مثل ظلال ناعمة، آثار أقدام باهتة أتركها خلفي".

وصحيح أن موراكامي تميز روائيًا، لكنه بدأ كتابة قصصه القصيرة منذ بداياته الأدبية التي أتت متأخرة قليلًا وهو في سن الثلاثين. حيث أن مجموعة "الفيل يختفي" لهاروكي موراكامي كتبت في الفترة ما بين 1980 - 1991 ونشرت في عدد من المجلات اليابانية وصدرت مترجمة للإنجليزية عام 1993 في حين أن النسخة اليابانية صدرت مُجمعة في عام 2005.

لم تلتفت اللغة العربية تمامًا لكتابات هاروكي موراكامي القصصية، رغم أنه قدم أربع مجموعات قصصية في حياته كان لهم تأثيرًا واسعًا في ساحة القصة القصيرة وخاصة مجموعته "صفصاف أعمى، امرأة نائمة" التي حصل عنها على جائزة فرانك أكونور الأدبية عام 2006م والتي ينظمها مهرجان مدينة كورك الإيرلندية كل عام.

لم تترجم المجموعات القصصية لهاروكي للعربية إلى الآن رغم ترجمة روايات لهاروكي حديثة الصدور نسبيًا على مجموعاته القصصية. وربما تقافزت بعض الترجمات في الدوريات العربية هنا وهناك، ولكن أغلب الظن أن مجموعته الفائزة بجائزة فرانك أكونور الدولية "صفصاف أعمى، امرأة نائمة" لم يُترجم منها سوى قصة "يوم مثالي لمشاهدة الكانجارو" التي ترجمها محمد عبدالنبي لمجلة العربي 2014. وقصة "زوجي رجل ثلجي" التي ترجمها محمود حسني لجريدة القاهرة في ديسمبر 2014.

وقد بدأت محاولة لترجمة المجموعة تحت عنوان "الصفصافة العمياء، والمرأة النائمة" منذ ثلاث سنوات ضمن مشروع بدأه محمود حسني ويونس بن عمارة وجهان سمرقند، لكنه توقف فجأة ولم يترك إلكترونيًا سوى أربع قصص من مجموعة موراكامي البالغة 24 قصة قصيرة.

ومع ذلك ينبغي أن نثمن جهود الأستاذ محمد عبدالعاطي عبدالخير الذي ترجم ست قصص من مجموعة "الفيل يتلاشى" لهاروكي موراكامي بالإضافة إلى قصة "قدني إلى السيارة" من مجموعته القصصية الأخيرة "رجال بلا نساء"، وقدم لنا مجموعة مختارات تحت عنوان "حدائق موراكامي" صدرت إلكترونيًا منذ شهر واحد فقط ورغم أن الترجمة من لغة وسيطة قد يكون مرهقًا للقارئ بعض الشيء خاصة مع لغة شديدة المحلية مثل اليابانية، لكن يكفي أن نشكره على هذا المجهود الرائع لمساعدتنا على رؤية العجوز الياباني الذي يحاول التوقف عن حكاياته الطويلة المسهبة، ليضيء لنا العالم بأسره في لحظة واحدة وبلا أي عناء.