جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«بيزنس الإيصالات المتأخرة».. محصلون يتلاعبون في فواتير الكهرباء باستغلال بند «رصيد الدفعات» (تحقيق)

جريدة الدستور

مع آواخر عام 2016، بدأت فواتير الكهرباء تزيد على "ربيع القاضي" 56 عامًا، ويتكرر تحصيلها أكثر من مرة خلال الشهر الواحد، فذهب للاستعلام في شركة الكهرباء التابعة لقرية أبو حجازي مركز بلقاس محافظة الدقهلية. الشركة أكدت أن استهلاكه لم يزد ولكن كان عليه عدد من الإيصالات المتأخرة، تم تقسيطها من قبل الشركة على فواتير الشهور التالية.

تعجب "ربيع" وأوضح لموظفة الشركة أن فواتير الشهور التي لم يدفعها وتأخرت عليه، كان يعود بها محصل الكهرباء عقب 15 يوم لتحصيلها وبالفعل كان يدفعها دون علمه أن الشركة تقوم بتقسيطها على فواتير الشهور التالية، تحت خانة تسمى "رصيد دفعات" وتكتب في الفواتير. حرر ربيع محضر رقم 1877 إداري بلقاس، متهمًا فيه محصل الكهرباء بالنصب عليه.

"ربيع" هو مواطن ضمن كثيرون تعرضوا منذ بدأ وزارة الكهرباء السير بنظام الشرائح، إلى عمليات تلاعب من قبل محصلين الكهرباء مستغلين جهل العامة، فيقومون بتحصيل الفواتير مرتين، بدعوى أن ذلك هو فرق وزيادة في الاستهلاك لدى المواطنين، وهو ما كشفه التحقيق التالي من خلال وقائع موثقة بشكاوى لضحايا تعرضوا لذلك.

يقول ربيع: "أنا مش أول واحد يحصل معاه كدة في القرية، المحصل ده كان دايمًا يتلاعب في عدادات القرية، ويأخد فلوس من الناس من غير وجه حق، وقدمنا كتير شكاوى، لحد ما أنا عملتله محضر في آخر سنة 2016".

يختتم: "تم نقل محصل الكهرباء اللي اشتكيناه لقرية تانية، لكن متاخدش ضده أي اجراء زي الحبس، وفلوسنا مرجعتلناش تاني، وأكيد هيروح يعمل نفس عمليات النصب في القرية، وتم استبدال العدادات بتاعتنا كلنا".

ما هو نظام الإيصالات المتأخرة؟
نظام الشرائح التي سارت عليه مصر مؤخرًا، ربما يكون أحد الأسباب التي قادت وأتاحت للمحصلين التلاعب بالفواتير، إذ بدأت مصر رفع أسعار الكهرباء خلال عام 2015، فقسمت الزيادة الأولى المواطنون إلى ثلاثة شرائح، أما الزيادة الثانية كانت في يونيو عام 2017، وتم تقسيم المواطنون إلى سبعة شرائح، وأخيرًا الزيادة التي تمت خلال يونيو الماضي على سبع شرائح أيضًا.

وفي الزيادة الأخيرة، قامت وزارة الكهرباء بإتباع خدمة "رصيد الدفعات" للتسهيل على المواطنين الذين يتأخرون في دفع الفواتير في وقتها أول كل شهر، بحيث لا تتراكم عليهم ولا يتم دفعها مرة واحدة.

فعندما يتأخر مواطن عن دفع قيمة إيصال الكهرباء في شهر من الشهور، فإن المحصل يقوم بإرجاع الإيصال إلى الشركة، فتقوم بتبنيد وتعليق الإيصال وتوزيع قيمته على باقي الشهور التالية، على هيئة أقساط، ويتم إلغاء العمل بالإيصال تمامًا.

وهنا يبدأ التلاعب فيعود المحصل بإحضار الإيصال القديم، وتقديمه إلى المواطن على أنه تراكمي لو يتم دفعه، فلا يهتم المواطن بالنظر على رصيد الدفعات الذي يسدد فيه شهريًا قيمة الإيصال، ويقوم بسداد قيمته للمحصل مرة ثانية بعد أن سدده كأقساط شهرية للشركة.

أما خانة "رصيد دفعات"، فيتم كتابة الرصيد المتراكم على المواطن، والأقساط التي يقوم بسدادها شهريًا، وتبدأ في التناقص من قبل الشركة في كل شهر يقوم بتسديده في الإيصال الجديد.

مروة: "المحصل تلاعب بمعدل الاستهلاك ودفعت تلات آلاف جنيه"
كان الأمر مختلفًا بعض الشيء مع "مروة" 45 عامًا، ربة منزل في منطقة القاهرة الجديدة، والتي تعرضت لتلاعب في فاتورة الكهرباء الخاصة بمنزلها، خلال ديسمبر عام 2017. تقول: "كل شهر بتيجي الفاتورة أغلى من اللي قبله وأوقات بتكون مضاعفة، بسبب غير مفهوم، رغم أن استهلاكنا زي ما هو ومفيش حاجة اتغيرت، في البداية قولت ده فرق استهلاك لكن الموضوع زاد بشكل غير طبيعي".

ذهبت "مروة" إلى شركة القاهرة للاستفسار عن تلك الزيادات غير المبررة، فوجدت أنها في الشريحة الثانية ولم تتغير ولا يوجد أي زيادة في الاستهلاك المنزلي الخاص بهم: "مكنش قدامي حاجة غير إني أقدم شكوى ويتم التحقيق فيها مع المحصل برقم 906 في شركة الكهرباء وبالفعل قدمت فيه شكوى واتهمته بالتلاعب في الفواتير".

تقول: "حصلّ منيّ فواتير خلال 5 أشهر بما يقرب من خمس آلاف جنيه، يعني شهريًا كنت بدفع حوالي 1000، والشكوى وصلت أنه كان بيتلاعب ببند الاستهلاك الحالي والسابق، والفواتير المؤجلة كنت بدفعها مرتين".

أرقام واحصائيات عن محصلين الكهرباء في مصر
آخر إحصاء صدر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، قال أن هناك 9 شركات توزيع كهرباء على مستوى الجمهورية، بها حوالي7272 محصلًا، و3981 قارىء كشاف.

بينما يبلغ عدد المشتركين في الشبكة القومية للكهرباء بمختلف مناطق الجمهورية 35 مليون مشتركًا، وتهدف وزارة الكهرباء إلى استبدال 32 مليون عداد بأخرى مسبوقة الدفع خلال 5 سنوات قادمة.

وأظهر الإحصاء أن شركة الكهرباء بالقاهرة تعاني من نقص في العمالة، على صعيد الكشف والتحصيل، فتحتاج 1100كشاف وللتحصيل 1200محصلًا، بينما القوى الأساسية في الكشف 500 وفي التحصيل قرابة الـ 700 محصلًا فقط، والعجز يقدر يقرابة 1200 ما بين قارىء كشاف ومحصل.

وبحسب الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء الرسمية، فيوجد في مصر 17 شركة كهرباء موزعة على المحافظات تنقسم كالتالي، الشركة القابضة لكهرباء مصر، وتحكم ثلاث أفرع للشركات، الأولى شركات الإنتاج وبها: "القاهرة، غرب الدلتا، شرق الدلتا، وسط الدلتا، الوجه القبلي"، والثانية شركات التوزيع وبها: "شمال القاهرة، جنوب القاهرة، الإسكندرية، القنا، شمال الدلتا، جنوب الدلتا، البحيرة، مصر الوسطى، مصر العليا".

العداد الذكي هل يمنع تلاعب المحصلين؟
اتساقًا مع الشكاوى التي حررها عدد كبير من المواطنون في محصلين الكهرباء وتلاعبهم بالفواتير، بدأت وزارة الكهرباء التخطيط لفكرة الاعتماد على العداد الذكي، وهو عداد كهربائي يقوم بقياس استهلاك الكهرباء بتكرارية زمنية معينة (كل ساعة أو كل نصف ساعة).

ويحفظ العداد هذه القياسات على ذاكرة مدمجةن ومن ثم يرسلها إلى شركة الكهرباء على الأقل مرة واحدة في اليوم ما يفيد بتحديد أدق لاستهلاك المستخدم للكهرباء وأيضًا يفيد بمراقبة نمط الاستهلاك.

الفائدة من تلك العدادات أنها يتعامل فيها المستهلك مباشرة مع شركة الكهرباء التابع لها، وتوفر تفصيلًا دقيقًا لأوقات استهلاك الكهرباء من قبل المستخدم، وتنبه الشركة المزودة للكهرباء في حال وجود خلل ما عند المستهلك.

كما تتيح تلك العدادات للمستهلك، الحصول على البيانات والدفع الخاص به، وتزهر على الشاشة، مثل الرصيد المتبقي، والدفعات، والكيلوات وات، والدفع المتبقي، والاستهلاك الكلى التراكمي من وقت التركيب، والتاريخ باليوم والشهر والسنة والوقت.

وعلى مدار عام كامل لم تبدأ وزارة الكهرباء في تركيب تلك العدادات التي تعهدت بتحمل تكلفة التركيب وليس المواطن، سوى في شهر أغسطس الماضي، فبدأت شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء في تركيب المرحلة الأولى من المشروع التجريبي لتركيب 53 ألف عداد ذكي بالمناطق التابعة للشركة.

جاء ذلك ضمن خطة وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لتركيب 250 ألف عداد كهرباء ذكي بـ6 شركات توزيع كهرباء بمختلف أنحاء الجمهورية، فى إطار خطتها لتحويل كافة العدادات التقليدية بأخرى ذكية خلال 10 سنوات بتكلفة تصل إلى ما يقرب من 60 مليار جنيه.

زايد: "المحصل نصب عليا وقال أن فيه كيلوهات متخزنة"
لم يختلف الأمر مع أحمد زايد، 34 عامًا، يقطن في منطقة، والذي تفاجىء في عام 2016، بمحصل الكهرباء يطالبه بدفع ثلاثة فواتير كهرباء متأخرة دفعة واحدة: "قالي أن كان فيه كيلوهات متخزنة، وأنه جه لمدة تلاتة شهور لكن مكنش بيلاقي حد، وده مش صحيح كل الشهور كنت بدفعها بانتظام، وقالي أن التلات فواتير المتأخرة 1000 جنيهًا".

دفع "زايد" المبلغ المطلوب للمحصل إلا أنه شك في الأمر، بسبب انتظامه في الدفع وفي نفس الوقت ارتفاع المبلغ المطلوب: "كان بيقولي أن فيه كيلوهات متخزنة وأن الفاتورة 1000 جنيه، رغم أن الشقة دي ما كنتش بقعد فيه كتير وبسيب الكهربا والإيجار مع الجيران، وكل لما كنت اسألهم في إيصالات للشقة دي يقولوا لا".

يحكي زايد عن تلاعب أيضًا حدث مع أحد أصدقاؤه بنفس الطريقة، حين تفاجىء بمحصل الكهرباء يطالبه بدفع وصل كهرباء بثلاثة أضعاف استهلاكه العادي، وحين سأله أكد أنها إيصالات متأخرة لم يدفعها وجمعتها الشركة في إيصالًا واحد بلغت 950 جنيهًا.

يضيف: "عرفنا أنها عملية نصب اتعرض ليها، لأنه راح يفهم من الشركة، قالوله مفيش حاجة اسمها تجميع إيصالات، وأن الوصل لما بيتأخر بيرجع للشركة وبيتقسط على دفعات في الإيصالات اللي بعد كدة".

خبير طاقة يضع حلول لانهاء تلاعب المحصلين
يضع ماهر عزيز، خبير الكهرباء والطاقة، حلولًا لأزمة تلاعب المحصلين بالفواتير، وهي استخدام عدادات لا تحتاج إلى العنصر البشري بشكل كبير، مثل العداد الذكي الذي يتعامل بالتكنولوجيا منه إلى الشركة الرئيسية.

ويوضح أن العداد الذكي يمنع ذلك التلاعب، وفي نفس الوقت يرشد استهلاك الكهرباء للمواطنين من خلال أجهزة إنذار، موضحًا أن يمكن المستهلك من وضعه على شريحه معينة وتحذيره في حال تخطيها.

ويبين أنها تعمل عبر الكارت الذكي ويتم شحنه، ويرسل البيانات والاستهلاك مباشرة إلى مقر الشركة الرئيسي، مبينًا أن ذلك يقضي على كل الأخطاء المتعمدة أو غير المتعمدة من قب محصلين الكهرباء.

محصلين يكشفون كيفية التلاعب في فواتير الكهرباء
خيري حامد، محصل كهرباء بمنطقة فيصل، يؤكد أن بعض الفواتير التي تأتي للمواطنين بمبالغ كبيرة قد تكون بسبب خطأ وارد وغير مقصود؛ لوجود عجز كبير في أعداد الكشافين والمحصلين بوزارة الكهرباء.

"لكن ده ميمنعش أن فيه محصلين بيتلاعبوا في الفواتير، فيه منهم بيتعمد يراكم الفواتير فوق بعض عشان يجي يحصلها مرة واحدة ويأخد غرامة رغم أن هو اللي متأخر"، بحسب تأكيد محصل الكهرباء.

يضيف: "وفيه اللي بيحط قراءات جزافية للاستهلاك بنسبة أعلى من القراءة الموجودة، وطبعًا المواطن مش بيفهم في القراءة، فتطلع الفاتورة حسب القراءة المرتفعة، وبيأخد الفرق من الفاتورة دي".

ويبين أن تلك الأخطاء يمكن تداركها بتقديم شكوى إلى وزارة الكهرباء، أو عن طريق الخط الساخن 121، بيتم مراجعة الفواتير، وحساب الاستهلاك ومقارنته بالقراءة وفي حال وجود خطأ يتم معاقبة المحصل.

عادل. أ، محصل آخر في نفس المنطقة، يشرح كيف يعرف المواطن التلاعب في فاتورة الكهرباء الخاصة به، فلا بد من مراجعة رصيد الدفعات كل شهر، والذي يتم فيه كتابة أقساط الفواتير المتأخرة التي تقسمها الشركة في الشهور المتتالية.

ويضيف: "والطريقة التانية بيقارن بين قراية فاتورة الاستهلاك الحالية وفاتورة الاستهلاك السابقة، والفرق اللي بيطلع هو ده الاستهلاك الصحيح، فقبل ما يدفع يطرح دول من بعض هيطلعه استهلاكه بالظبط".

ويشدد أن وجود فرق بين الاستهلاكين يعني وجود تلاعب في الفاتورة، أما من قبل الكشاف الذي يقرأ العداد بطريقة خاطئة، أو المحصل الذي ينصب على المواطن بتسديد الفاتورة مرتين.

عادل.ع، محصل كهرباء في منطقة الهرم، يرى أن الحل الأمثل في وجود عدادات إلكترونية أو كودية يتم فيها التعامل من المستهلك إلى شركة الكهرباء، وفي حال وجود تلاعب يستطيع المواطن معرفته من العداد دون اللجوء إلى المحصل الذي من الممكن أن ينصب عليه.

ويضيف: "بتجلينا شكاوى كتير في المصلحة عن أخطاء من مواطنين ضد محصلين، فيه منها بتطلع اخطاء غير مقصودة لأننا بشر، وأوقات بيكون فعلًا المحصل نصب على المواطن، وبيقدم شكوى للشركة".

300 شكوى إلى حماية المستهلك من تقديرات الفواتير الجزافية
مصدر مسؤول بجهاز حماية المستهلك، أكد أن أغلب الشكاوى تذهب إلى شركات الكهرباء والخط الساخن، مشيرًا إلى أنهم يتلقون الشكاوى من العدادات المضروبة لكونهم جهاز خاص بالشكاوى في المنتجات.

وعن أعداد تلك الشكاى التي وصلت لهم من ارتفاع الفواتير، قال لـ"الدستور" أنها تقارب الـ 300 شكوى خلال عام 2018، جميع محتوياتها كانت تقديرات جزافية من المحصلين ضد المستهلكين، يتم التحقيق فيها بالتعاون مع شركة الكهرباء.

الكهرباء تشكل لجان لمتابعة الكشف والتحصيل
حاولنا التواصل مع المهندس حسام عفيفي، رئيس شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، للرد على ما تم توثيقه بالتحقيق إلا أن مدير مكتبه رفض بحجة أنه لا يدلي بتصريحات إعلامية، والمنوط بذلك الدكتور أيمن حمزة المتحدث الإعلامي باسم وزارة الكهرباء، والذي تواصلنا معه على مدار ثلاثة أيام عبر المكالمات والرسائل إلا أنه لم يرد حتى نشر التحقيق.

لكن أزمة خانة الأقساط لم ينفيها حماده غلاب، عضو لجنة الطاقة بالبرلمان، إذ أكد أنها موجودة لكنها حالات فردية ناتجة عن أخطاء من محصلين أو كشافين، مبينًا أن الأزمة ظهرت مع زيادة أسعار الكهرباء وحدوث بعض الأخطاء في استهلاك المواطنين.

وأوضح لـ"الدستور" أنه تم تشكيل لجنة في شركة جنوب القاهرة، لمراجعة الفواتير والشكاوي كافة التي وردت بها أخطاء، ولجان أخر في شركات توزيع الكهرباء مهمتها هي متابعة الكشف والتحصيل من المواطنين بصفة دورية حتى لا تكرر نفس الأزمة.