جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الملاك.. أشرف مروان (2-3)


بالفعل تم إلقاء القبض على أعضاء منظمة «أيلول الأسود» الذين حاولوا إسقاط طائرة إسرائيلية بعد إقلاعها من مطار روما. وبالفعل كان أشرف مروان هو من أبلغ الموساد بالعملية.. وبالفعل كانت تفاصيل تلك العملية بالكامل لدى الرئيس محمد أنور السادات والمخابرات العامة المصرية.
كنا انطلقنا، أمس من فيلم «الملاك - The Angel» الذى عرضت شبكة «نتفليكس»، فى ١٤ سبتمبر الماضى، الذى من المفترض، كما تقول «التيترات»، إنه مأخوذ عن كتاب أورى بار جوزيف «الملاك - الجاسوس الذى أنقذ إسرائيل»، وعرضنا اختلاف ما شاهدناه فى الفيلم عما ذكره الكتاب. كما تناول الدكتور محمد الباز، فى عدد أمس أيضًا، ما ذكره الصحفى الإسرائيلى المخضرم «عاميت كوهين» فى ١٩ يناير ٢٠٠٣ عن العملية والذى استنتج فيه أن يكون أشرف مروان قد أبلغ ضابط تشغيله (المخدوع) فى الموساد بتفاصيل العملية ليكسب ثقته، و«بذلك ضرب السادات عصفورين بحجر واحد، ظهر وكأنه ساعد القذافى، ومن ناحية أخرى دعم مصداقية أحد أضلاع خطة التمويه المصرية».
ما ذكره «كوهين» على سبيل الاستنتاج أكده جوردن توماس، وهو يستعرض العملية بتفاصيلها، فى كتاب «التاريخ السرى للموساد- من ١٩٥١ إلى اليوم» المعتمد بشكل أساسى على مصادر إسرائيلية. كما أكده أيضًا «ميخائيل بار زوهار» فى كتاب «الموساد عمليات كبرى» الذى كتبه بالاشتراك مع نسيم مشعل. ومن الكتابين نعرف أن وسائل إعلام إيطالية أشارت وقتها إلى أن الموساد الإسرائيلى هو الذى حذّر الإيطاليين. ونعرف أيضًا أن رئيس الموساد «تسيفى زمير»، شخصيًا كان فى روما لمتابعة إجهاض تلك العملية. كما نعرف من الكتابين ومن مصادر أخرى عديدة أن السادات، ضرب ثلاثة عصافير، لا اثنين، باتفاق مع أشرف مروان، كان العصفور الأول فيها هو تثبيت قدمىّ أشرف مروان لدى المخابرات الإسرائيلية، والثالث هو منع القذافى من إفساد خطط الحرب: حرب أكتوبر.
بدأت القصة فى ٢١ فبراير ١٩٧٣ قام الطيران الحربى الإسرائيلى بإسقاط طائرة بوينج ٧٢٧ تابعة للخطوط الجوية الليبية فوق صحراء سيناء المصرية التى كانت تقع تحت السيطرة الإسرائيلية سقوطها ومقتل ١٠٨ أشخاص ونجاة ٥». وبعد أن أنكرت الحكومة الإسرائيلية فى البداية مسئوليتها عن الحادث، عادت واعترفت فى ٢٤ فبراير من السنة نفسها بأن إسقاط الطائرة تم عن طريق الخطأ، ثم اعترفت مرة أخرى بأنه تم «بتفويض شخصى» من «دافيد إليعازر» رئيس الأركان الإسرائيلى وقتها.
الزعيم الليبى «معمر القذافى» اتصل تليفونيًا بالرئيس «محمد أنور السادات»، وأبلغه بأنه يعتزم ضرب ميناء «حيفا» الإسرائيلى، وبعد رفض «السادات»، لأى رد ليبى عنيف سيعرقل خطط الحرب، قرر أن يتصرف دون الرجوع إلى «السادات» واستدعى، فى ١٧ أبريل، قائد الغواصات المصرية المتمركزة فى ليبيا، وتعمل كجزء من البحرية الليبية وأمره بالإبحار شرقًا إلى البحر الأبيض المتوسط بهدف تفجير السفينة السياحية البريطانية الشهيرة «إليزابيث ٢» والتى كانت فى طريقها إلى ميناء «أشدود» الإسرائيلى وتحمل مسئولين دوليين وإسرائيليين للمشاركة فى احتفالات تل أبيب بما بإعلان قيام ما توصف بـ«دولة إسرائيل» أو ما يطلقون عليه «يوم الاستقلال» الـ٢٥. وحين أبلغ قائد الغواصة «السادات»، طلب منه الأخير الراحل العودة فورًا إلى ميناء الإسكندرية وإبلاغ القذافى أنه فشل فى تحديد موقع السفينة البريطانية.
لم يتقبل القذافى التبرير، فتصاعد الضغط الليبى على مصر، وانطلقت سيرة حاشدة من طرابلس ومدن ليبية أخرى إلى الحدود المصرية، وفشلت كل مناشدات مصر لوقف المسيرة، فتدخلت قواتنا المسلحة، ومنعت حوالى ٤٠ ألف ليبى من عبور الحدود المصرية وردًا على ذلك ندد القذافى بمصر وشن هجومًا على السادات. وحتى نتخلص من ها الصداع، جرت مفاوضات مطولة، كان أشرف مروان طرفًا رئيسيًا فيها، انتهت بأن اتفقت مصر وليبيا فى ١ سبتمبر، أى مع الاحتفال بذكرى ثورة الفاتح الليبية، على تنفيذ عملية موحدة ضد إسرائيل، تشبع عطش «القذافى» للانتقام. وكانت تلك العملية هى إسقاط طائرة إسرائيلية تابعة لشركة «العال» بضربها بصواريخ «SA-٧» ستريلا المضادة للطائرات بعد إقلاعها من مطار روما الرئيسى. غير أن السادات اتفق مع «أشرف مروان» على إحباط ذلك الهجوم، بأن يقوم «أشرف مروان» بإبلاغ «الموساد».
تنفيذًا لذلك الاتفاق، تم نقل اثنين من الصواريخ ومنصات إطلاقها فى حقائب دبلوماسية تحملها منى عبدالناصر، ولا تعرف محتوياتها، وبالتالى لم يتم تفتيش الحقائب بالمطار. ثم قام أشرف مروان بتسليمها إلى عناصر منظمة «أيلول الأسود» التى اتفق معها «القذافى» على تنفيذ العملية. لكن فى صباح ٦ سبتمبر، كان فريق من «الموساد» برئاسة «مايك هرارى» يرافق القوات الإيطالية، وهى تقوم بإلقاء القبض على منفذى العملية.