جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قراءة في كتاب "فرخ البط القبيح يذهب للعمل"

جريدة الدستور

يخاطب الكتاب أولئك الذين يريدون أن يشعروا بأنهم أحياء في عملهم ويدفعنا إلى التفكير في معنى الحياة والعمل ولكن بخفة ظل وبدلأ من دراسة أفلاطون أو ديكارت، سنتعلم من فرخ البط الدميم ومن قزم يشبه ذلك الذي يحرس كنوز باطن الأرض ومن حياة إمبراطور مغرور مفرط في استخدام قوته وخنفس متعجرف وشجرة تنوب ساخطة، أي أن الكتاب يستخدم القصص الخيالية لفهم الطبيعة البشرية ومغزى الحياة ويدعونا للتعامل مع مفاجآتها المؤلمة.

تقول الكاتبة "ميتي نورجارد" مؤلفة الكتاب التي ولدت في الدانمارك ونشأت فيها وكانت حكايات "هانز كريستيان اندرسون" الخيالية جزءًا أصيلًا من تربيتها، إن الحكايات البسيطة مثل "الأميرة وحبة البازلاء وغيرها من الحكايات كانت تحزنها وتصيبها بالاضطراب وكانت تبكي لموت عروس البحر الصغيرة ولكن عندما كبرت فهمت جمال الحب غير المشروط وهي تقصد بذلك أن تلك القصص الخيالية لا تصلح للصغار فقط ولكنها مفيدة للكبار أيضًا، كما أن فهم المغزى الخاص بالحكاية يختلف من وقت لآخر ويرتبط أيضًا بالعمر.

وفي السطور التالية نتعرف على بعض المعاني التي وردت في حكايات الكتاب:

1. عندما ينخدع المرء بكلام غير معقول بدلاً من أن يثق بقدرته على الحكم أو يمنعه الخوف من أن يقول في العلن ما يؤمن به حقًأ نتذكر حكاية " ملابس الامبراطور الجديدة" وفي الحالتين نهدف إلى ضرورة أن يواجه الإنسان الحقائق وألا يمنعه الخوف من قول الحق.
2. عندما نسعى إلى التوافق، فإننا نتبنى أجندة الآخرين.( كلنا نقوم بأشياء كثيرة طلبًا للتوافق مع الآخرين كالتحلي بمزيد من الأدب والالتزام بالمواعيد المحددة ولا عيب في ذلك ولكن تظهر المشكلة عندما يدفعنا الحرص على التوافق إلى تجاهل الحقائق فنأتي بتصرفات تناقض قيمنا وفي كثير من المواقف يكون الخوف على مستقبلنا المهني والحاجة المادية وإيثار السلامة هما السبب.
3. نتعلم من حكاية "البط الدميم " أنه لا يتوقف النجاح في الحياة على مهنة أو منصب يرنو إليه الجميع بل يحقق الناس النجاح عندما يجدون مكانهم الطبيعي وذواتهم الأصيلة ومكاننا الطبيعي ليس بالضرورة وسط من نعمل أو نعيش معهم. بل مع من يشاركوننا ما نحب أو يشجعوننا عليه.
4. يشعر كثير من الناس في مكان العمل بالتمييز ضدهم ، لأنهم غير متناغمين مع الصيغة السائدة بسبب النوع أو العرق أو الدين أو التعليم أو المزاج. قد تكون الأحكام التي يصدرها الناس عليهم مؤذية لكن الضرر الحقيقي لا يحدث إلا عندما يتبنون تلك الآراء .
5. في حياة أغلبنا دجاجة متسلطة. نراها بسهولة في أحد الوالدين أو في الأصهار أو في زوج أو صديق أو زميل أو مدير، لكننا غالبًا لا ننتبه إلى صوت " لقلقتها" فوق رؤوسنا . فهي الصوت الواقعي الذي يصيح قائلاً : " لا ينبغي أن تلتفت إلى شغفك الآن . فهذا سيضر مستقبلك المهني"، "لا تفعل ، فليس لديك الوقت"، "لا تفعل، فثمة آخرون يعتمدون عليك".
6. عندما ننصت إلى صوت الشغف بداخلنا فإننا نصل لطبيعة البجع في كل منا.
7. لكل منا رحلة داخلية لا بد أن يتمها. فهل تمر عليك أوقات. تنظر حولك وتقول في نفسك "ليس هذا مكاني؟" هل تتمسك برأيك في مواجهة الدجاج المتغطرس؟ إلى من تنجذب ومع من تحب أن تقضي وقتك؟ وممن تحب أن تتعلم؟
8. قد يمنحنا العمل الحياة، ولكنه قد يقتلنا أيضًا.
9. عندما نهتم بشىء اهتمامًا صادقًا ، فإننا نفتح على أنفسنا بابًا للألم فمن يهتمون بالعدل تؤلمهم المظالم التي لا يكاد يلاحظها غيرهم.
10. عندما نريد المكانة فإننا نسعى إلى تطوير أنفسنا ( من حكاية خنفس الروث)
11. عندما نتخلى عن الوهم نعرف حقيقة أنفسنا ( من حكاية القزم عند البقال)
12. نتعلم من حكاية شجرة التنوب أنه عندما نشعر بالسخط ، نتوق إلى ما ليس في أيدينا. فللحياة دورة تبدأ بالميلاد ثم النمو ، ثم النضج ثم الضعف ثم الموت ثم البعث . وهناك دورات الفصول الأربعة واكتمال القمر واختفاؤه . في كل لحظة يولد شئ جديد ، وفي المعتاد نتشوق للنصف الأول من الدورة ونقاوم النصف الثاني بالرغم من ان لكل نصف ميزاته.
13. يمكن أن تقلع الشجرة من جذورها، لكننا نستطيع أن نبقي موصولين بجوهرنا. فإذا كان عملنا قد فقد الجذوة التي كانت تشعل حماسنا ، وحل مكانها الضجر ، فينبغي أن نسأل أنفسنا: " لماذا توقف تدفق الحماس؟ ولماذا ذهبت الروح المتطلعة؟
14. نتعلم من حكاية العندليب أنه عندما نعشق، نحيا الحياة بحق، وأن تحقيق الأحلام يقتضي منا التزامًا شديدًا ، مهما كان ما تحلم به فإن السؤال الحاسم هو هل لديك الانضباط الكافي لتحققه بيدك؟
وفي النهاية ينبغي أن نقبل أن الحياة مخاطرة . وليس بوسع أحد أن يضمن لنا النجاح التقليدي عندما نقفز من فوق سور، أو نجري عبر حقول، أو ننشر أجنحتنا. ولكننا ينبغي أن نتأكد أننا ننضج ، وأن الحياة ستكون أكثر ثراءً وأكثر رضًا وأكثر عمقًا.