جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حكاية القديس إلمو والمنتصر للأقباط


كارثة ومصيبة سوداء أن يقع المواطن البسيط بين شقى الرحى وهو يواجه حالات انكساراته وإحباطاته الإنسانية والاختبارات القدرية عاجزًا.. بين من يخدعونه بجهل وغباوات موروثات مجهولة، ‏وفتاوى وافتكاسات الفهلوة والعلم بالغيبيات بالفهم المغلوط لآيات وثوابت الأديان.‏
على الطرف الآخر من هم فى حرب مستمرة مع الطرف الأول ذهابًا إلى إعمال العقل وتطبيق آليات العلم ونظرياته، فإذا البعض منهم يبالغ فى التزيد الغريب والسلبى فى رصد تصرفات وواقع ‏ضحايا مجتمع طيب مسالم آمن فيه المواطن بمسلمات عقائدية، فجاء الطرف الثانى لنسفها بقسوة وغباوة قلب، والغريب فى الأمر أن تكون دعوة الطرف التنويرى إلى استخدام العقل والعلم بشكل ‏احتيالى هو الآخر وعبر افتكاسات، ضد كل ما تعلمناه فى معامل العلوم الأولية وفق «إقامة التجربةــ ثم المشاهدة والرصد المتابع الدقيق ــ وأخيرًا الخروج بنتائج قد تسلمنا إلى وضع نظرية قابلة ‏للتفعيل والعمل بها».‏
يروح فين المواطن المولود مؤمنًا بدين وعقيدة كالمسيحية «مثلًا» تعلم فى كنيسته، وقرأ أو سمع تلك الوصية فى الكتاب المقدس، عندما حث القديس يعقوب الرسول المؤمنين «هل فيكم مريض؟ ‏فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا عليه بعد أن يدهنوه بالزيت باسم الرب. فإن الصلاة مع الإيمان تخلص المريض والرب يعافيه»؟! (يع ٥: ١٤- ١٥).. بهذا القول يتم التعريف بأن هذا الأمر يتم برعاية ‏روحية.‏
وبعدين كمان، يروح فين المؤمن المسيحى وهو يطالع مقال الكاتب الكبير الطبيب خالد منتصر المعنون بـ«أسطورة العلاج بالزيت المقدس»؟!.. يقول: «حكاية الزيت المقدس بدأت بزيارة من ‏مندوب شركة دواء بورسعيدى أبلغنى- متهللًا- بمعجزة الزيت المقدس الذى ينزل من صورة العذراء فى إحدى كنائس بورسعيد، وكيف أن حالات كثيرة شُفيت من سرطان الثدى بتدليك الصدر بهذا ‏الزيت!، وعندما كتبت على صفحة (فيسبوك)، داعيًا إلى التفكير بالمنهج العلمى فى مثل هذه الأشياء، هُوجمت بعنف، وكأن هذا الزيت ركن أساسى فى العقيدة المسيحية، طلبت تفسيرًا علميًا من أحد ‏الأصدقاء.. وكانت للمهندس «إسحق حنا» محاولة تفسير علمى باعتباره متخصصًا وفنانًا أرسله للكاتب حول مشاهدات علمية لتسربل نقاط الزيت من الأعمال الزيتية القديمة على القماش، فرح ‏بنتائجها وسعد الكاتب لأنها قد تؤكد نظريته فى أنها مجرد حواديت أسطورية، بينما كلام «إسحق حنا» مقتصر على تلك الخامة فقط وفى ظروف مناخية وبيئية معينة، فما رأى الكاتب فى حالة ‏الصور المطبوعة التى كان الكلام عنها بنفس القدر؟!، ولكننى فى كل الأحوال لا أناقش هنا مدى صحة نزول الزيت من الصور من عدمه، ولكننى أناقش كوميديا الرد على قناعات البسطاء الإيمانية ‏والمستندة من وجهة نظرهم إلى وصايا الكتاب المقدس فى مقابل كلام لا يستند إلا إلى التلفيق اللا علمى والفهلوة الساذجة لتعميم حالة خاصة على كل الحالات، وبيان غياب المعرفة بتعاليم وعقائد ‏الآخر بشكل ساخر عندما نعتها بالأساطير وضمها لخرافات شعبية، فنكون أمام رد فعل باسم العلم هو أيضًا ضد العلم ومهين لرموزه ونخبته.‏
وكان الأجدى، ومن المقبول ــ على سبيل المثال ــ أن يتحدث الكاتب عن دور الكنيسة وخطابها إلى أتباعها وللمجتمع، والذى كان ينبغى أن يكون تنويريًا عبر التعامل مع كل ظاهرة تحدث بشكل ‏روحى وإيمانى حقيقى ولا تترك الحبل على الغارب لمن يستثمرون مثل تلك الأحداث فى فوضى روحية ومادية، وأن يوجه اللوم لإعلام كنسى غائب، أما أن يحاول دحض الظاهرة بتفسيرات علمية ‏خائبة، فهو اشتراك ضمنى فى صناعة حالة توهان عامة.‏
والكاتب هو صاحب التفسير الكوميدى «ويراه العلمى» لظهور السيدة العذراء فى مداخلة شهيرة عبر برنامج تليفزيونى مسائى شهير، عندما قال: «المسألة لا بد من تفسيرها بشكل علمى.. ‏الحكاية كلها يا سادة وببساطة (يؤكد طبيب الجلدية بكل ثقة)، دى ظاهرة يعرفها كل علماء الفيزياء والفلك باسم (ظاهرة نار القديس إلمو)، وهى حكاية بحار إيطالى كان فى (بعثة ماجلان) وادعى ‏ظهور قديس على سفينته لينقذها من الغرق.. الحدوتة كلها مسألة تفريغ كهربائى.. دى ظاهرة تفسر بالرجوع إلى علم الفيزياء وليس بكرامات القديسين.. وعلشان كده دايمًا الكلام عن ظهور العذراء ‏يكون فى الشتا»!. ‏
يتحدث باعتبارها خرافات وباستهتار عن حدث دينى «هو عظيم الشأن على الأقل فى المجتمع المسيحى»، ويا دكتورنا التنويرى العظيم: ألا تعلم أن أول ظهور للعذراء كان فى شهر أبريل «عز ‏الشتاء الحقيقى»؟!، ده غير ظهورات كثيرة فى عز الصيف وفى كثير من بلدان العالم، ثم إن ليه ظاهرة التفريغ الكهربى دى مش بتختار إلا قباب الكنائس ومناراتها؟.. إيه العلاقة دى تحديدًا يا ترى ‏عزيزى طبيب الجلدية الإعلامى مع إن الدنيا مليانة بنايات وأبراج؟!.. تفريغ كهربى يا دكتور والمعجزات أساطير كلها.. أورى وشى فين من غلابة الوطن وكمان من أهل العلم بجد؟!.‏
بلاش التنوير الزيادة يا دكتورنا، على رأى دكتورنا الإعلامى محمد الباز. ‏