جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الذين يشترون ما يعرضه التجار.. لا ما يحتاجون


قرأت على أحد المواقع الاجتماعية سؤالًا لشابة مقبلة على الزواج وتستعد بتحضير جهازها وكانت تستفسر عن عدد الفوط التى يجب عليها أن تشتريها؟، ثم أوضحت أنها اشترت بالفعل ستين فوطة فهل هذا يكفى؟.. تابعت على الموقع إجابات السيدات التى كانت متباينة لكن أغلبها كان يميل إلى دفع الفتاة لشراء المزيد من الفوط، وذكرت واحدة أن الجهاز لديهم لا بد أن يحتوى على ١٢٠ فوطة. القليل من الإجابات كانت تحمل سخرية ورفضًا لمنطق عدد الفوط وأنها ربما تريد فتح محل للفوط أو أنها ستخصص دولابها للفوط فقط. كان السؤال صدمة لى، وعدد الفوط الذى ذكرته، ويبدو أنها تستقله، عائقًا عقليًا تعثرت فيه، ودفعنى لأبحث عن فوطى وأعرف عددها فوجدتها لا تزيد على عشرٍ، وأنا سيدة متزوجة منذ عشرين عامًَا ولا أستطيع أن أزعم أن الفوط كانت فى لحظة ما محل تفكير لدىّ، أو شكوت من نقصها، أو تسببت فى أزمة أو مشكلة لى مع زوجى أو أى من الضيوف الذين دعوتهم للزيارة والطعام.. ما الذى يدفع شابة كى تعتقد أن عدد الفوط أو البشاكير أو الملابس الداخلية أو الحلل أو الصوانى والأكواب.. يمكن أن يكون له تأثير على مستقبل حياتها الزوجية، فيدعوها الأمر للسؤال والاستفسار كى تكون داخل الإطار المقبول اجتماعيًا؟.. المسألة تطرح العديد من الإشكاليات عن الإسراف والفشخرة والمنظرة، إن الرغبة فى تكديس الأشياء وتخزينها لوقت الضيق إنما يعكس فراغًا روحيًا وقلة إيمان وعدم توكل على الله.. فالله موجود ويرزقنا طوال الوقت والفوط وكل الأشياء موجودة، بل إن كل فترة تظهر موضات جديدة وألوان ونقوش ورسومات جديدة تحرص المرأة العاقلة إذا احتاجت لتجديد ما لديها من مستلزمات منزلية على شراء الجديد الحديث.. كان يمكننى تفهم موقف الفتاة لو كانت من هواة جمع الفوط، فربما تكون هذه كهواية جمع الطوابع البريدية.. لكن الفتاة تسأل كى تكون جزءًا من قطيع لا يشذ عن القواعد ولا يخرج بعيدًا عن الصورة العامة.
أعرف بلادًا فى الدلتا والصعيد يكون تجهيز الفتيات فيها وفقًا لقائمة لا يجب أن يقل عدد البطاطين فيها عن عشرين بطانية، وكل صغيرة وكبيرة من مستلزمات العروسة لها عدد معلوم لا تنقص عنه. وهذه القائمة تسير على أى فتاة أهلها فقراء أو أغنياء.. الأغنياء لديهم أما الفقراء فيتم اللجوء لميسورى الحال للمساعدة فى تجهيزهن وفقًا للقائمة، فتاة فقيرة تعليمها متوسط وكذا الحال عريسها.. تشترى ثلاجة كبيرة وديب فريزر.. ألا تكفى الثلاجة؟!، ما الذى ستخزنه فى الفريزر؟ إذا كانوا يتلقون الصدقات؟.. وتشترى ثلاث غسالات «غسالة أوتوماتيك وغسالة عادية لأن سعر مسحوق الأوتوماتيك غالى وغسالة لملابس الأطفال»!!.
والعجيب أن الجميع يشكو من هذه القوائم لكن لا أحد يمعن التفكير أو يستخدم عقله ويقرر رفض هذا المنطق الفاسد الذى لا يستفيد منه سوى التجار وأصحاب محلات الأدوات الكهربائية والمنزلية، فالناس لا يشترون ما يحتاجونه حقًا ولكن ما يريد أن يبيعه التجار لهم.
تمامًا كحالنا فى التعامل مع الدين الإسلامى، فحن لا نفكر ولا نجتهد لتحقيق غاية الدين، لكننا نشترى ما يبيعه التجار دون تفكير أو تمحيص. وأحيانًا ما يكون التاجر ماهرًا فيقدم تنزيلات وتخفيضات.. تخفيفات هنا ومباحات هناك.. لكن يبقى السؤال الصعب: هل نحتاج حقًا لهذه البضاعة؟!