جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هنا «غياضة الشرقية».. «الدستور» داخل أكبر محطة كهرباء غازية في العالم

جريدة الدستور

فى منطقة «غياضة الشرقية»، التابعة لمركز ببا، بمحافظة بنى يوسف، تقع واحدة من محطات الكهرباء الثلاث، التى بدأت الدولة فى تنفيذها بعد «٣٠ يونيو»، هى: «العاصمة الإدارية» و«البرلس»، إلى جانب محطة المحافظة الصعيدية.

وجاء إنشاء هذه المحطات الثلاث، للقضاء على صداع أزمات الكهرباء، الذى عانت منه مصر فى السنوات الأخيرة، دون أن يتحرك أحد بشكل جدى فى هذا الملف، إلى جانب توفير احتياجات الخريطة الاستثمارية والصناعية الجديدة من الطاقة. المحطة، التى تقام على مساحة ٥٠٠ ألف متر مربع، وتبنيها شركة «سيمنس» الألمانية، بالتعاون مع شركتى «الوجه القبلى لإنتاج الكهرباء» و«السويدى» المصريتين، أصبحت الأولى عالميًا التى يتم بناؤها قطعة واحدة دون تجزئة، رغم حجم التحديات، فى فترة زمنية محدودة، وهى أكبر محطة غازية فى العالم.

«الدستور» كانت هناك، فى المكان الذى يشهد ملحمة مصرية جديدة فى العمل والإنجاز وسباق الزمن، لتسليم المشروع خلال الشهور القليلة المقبلة.


المدير المصرى: التشغيل التجريبى فى مايو.. والمشروع يوفر احتياجات الصعيد
كشف المهندس وليد عبدالباسط، مدير المشروع المختص من قبل شركة «السويدى إلكتريك»، المسئولة عن التركيبات، أن التشغيل التجريبى للمحطة، سيبدأ فى مايو المقبل، بإدخال جميع وحدات المرحلة الثانية على الشبكة القومية لنقل الكهرباء، لمدة ٣٠ يومًا دون انقطاع، للتأكد من كفاءتها، ثم تبدأ بعدها مرحلة التشغيل التجارى.
وقال «عبدالباسط»: «العقد المبرم بين الشركات المنفذة والمالك الأصلى للمشروع يقضى بتسليم المحطة فى سبتمبر المقبل، لكن إنجاز المشروع على أرض الواقع سبق الجدول الزمنى المحدد بنحو ٥ أشهر».
وأضاف: «من المفترض أن يكون جرى تسليم نحو ٦ وحدات فقط للمالك حتى الآن، وفقًا للجدول الزمنى المحدد، لكن ما حدث أننا سلمنا ٨ وحدات فى مرحلة التشغيل التجارى، وبلغ إجمالى تقدم نسبة الأعمال عن الجدول ما يقرب من ٧ أشهر».
وتابع: «بعد إنهاء مرحلة التشغيل التجريبى، سيتم إدخال الوحدة البخارية»، لافتًا إلى أن المحطة تلبى٢٠٪ من إجمالى استهلاك الكهرباء فى مصر، بخلاف القضاء على نسبة الفقد فى التيار، التى كانت تنتج عند نقل الطاقة الكهربائية من شمال مصر إلى جنوبها.
وأشار إلى وجود مكاسب أخرى للمحطة، متعلقة بخطة تنمية الصعيد وتوفير التغذية الكهربائية للمنطقة الصناعية الجديدة فى بنى سويف وللمدينة التكنولوجية فى أسيوط.
واعتبر «عبدالباسط» أن المحطة فريدة من نوعها على مستوى العالم، لأنها «أقيمت على مرة واحدة، رغم أن الطبيعى فى هذه المشروعات الامتداد فى التنفيذ، الذى يستغرق فى الأغلب ٦ سنوات، لكننا هنا أنشأنا المجموعات الأربع دفعة واحدة، وأظهرنا قدرات غير عادية للخبراء العالميين العاملين معنا».
وينقسم المشروع - وفق المهندس بشركة «السويدى إلكتريك»- إلى مرحلتين: الأولى بدأت فى ٢٠١٦، وتضمن جدولها الزمنى إدخال ٦ وحدات على الشبكة القومية لنقل الكهرباء بقدرة ٢٤٠٠ ميجاوات، وهو ما تم بالفعل، والثانية تشمل ٦ وحدات أخرى، وذلك بواقع (٨ وحدات غاز و٤ بخار). وفصّل المهندس المصرى ذلك بقوله: «المشروع يتكون من ٤ مجموعات للوحدات، كل مجموعة تضم ٢ توربين غاز تعادل كل وحدة ٤٠٠ ميجاوات، ليصبح المجموع الكلى لإنتاج المحطة ٤٨٠٠ ميجاوات».
وذكر أنه تم فى المرحلة الثانية إدخال وحدتى غاز بقدرة ٨٠٠ ميجاوات، هما الآن فى مرحلة التشغيل التجارى، وتسلمتهما وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة -المالك الأصلى للمشروع- ومع حلول مطلع فبراير ٢٠١٨ تم إدخال أول وحدة من ٤ وحدات تعمل بالبخار، ثم انضمت الوحدة الثانية فى مارس الجارى، والثالثة مطلع أبريل المقبل، أما الرابعة فستكون فى نهاية مايو أو مطلع يوليو بحد أقصى.
وعن عمالة المشروع، قال «عبدالباسط» إن نحو ٧ آلاف مصرى انتظموا فى دوريات عمل نهارًا وليلًا، وحتى فى العطلات الرسمية، لإنجاز المشروع.
وفيما يخص طبيعة التعاقد مع شركة «سيمنس» الألمانية العملاقة، قال إن جميع المشروعات التى سبق لها المشاركة فيها شهدت تقسيم عقود التنفيذ على عدد من المقاولين، بخلاف مشروع المحطة، الذى حصلت الشركة الألمانية على عقد متكامل ومباشر لتنفيذه من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
وذكر أن المحطة العملاقة ستدعم الشبكة القومية فى توفير التغذية الكهربائية ونقلها إلى إقليمى مصر الوسطى والعليا فى الصعيد، وختم: «منذ أن أدخلنا جزءا من القدرات على الشبكة، لم نفصل الوحدات لأى سبب، بسبب الاحتياج الشديد فى الجنوب للتغذية الكهربائية، وهو ما يؤكد أن العهود السابقة أهملت هذه البقعة المهمة من أرض مصر واستبعدتها من خطط التنمية تمامًا».

المدير الألمانى: تعلمت الكثير من العمال المصريين والقدرات ٤٨٠٠ ميجاوات
فى مكتب متواضع بمكان المشروع، يجلس مايكل هيرمزدورف، المدير العام الألمانى للمحطة، وعلى عكس الانطباع المأخوذ عن الألمان بالجدية التى تلازمهم طيلة الوقت، إلا أن «مايكل» بدا بشوشا ومتعاونا طيلة ٣٠ دقيقة استقطعناها من وقته.
يقول «مايكل» إن شركته الألمانية «سيمنس» موجودة فى مصر منذ عشرات السنين، تقدم الدعم والاستشارات الفنية فى مجال الطاقة الكهربائية، مشيدا بالتعاون المثمر بين الشركة والحكومة المصرية.
هذا التعاون شكل مجموعات عمل قوية بين الطرفين، أسفر عن ٣ محطات عملاقة لتوليد الكهرباء، منها محطة بنى سويف بقوة ٤٨٠٠ ميجاوات، وفق «مايكل».
يبدو «مايكل» معجبا بقدرة العامل المصرى على الإنجاز، وفى وقت قياسى، ويقول: «لولا العمالة المصرية ذات الكفاءة والمهارة العالية لم نكن نستطيع إنهاء المشروع قبل موعده».
وأوضح: «بدأنا صب الخرسانة الأولى فى المحطة قبل ٢٧ شهرًا بالتحديد، ونستعد الآن لتسليم آخر توربينين غازيين، وذلك قبل موعدها المحدد فى الجدول الزمنى بـ٥ أشهر».
وأشار إلى الانتهاء من بناء جميع وحدات المحطة، وبدء التشغيل التجارى للنسبة الكبرى من الوحدات فى المرحلة الأولى، وجزء من الثانية، ومن المقرر تسليم وحدة غازية كل ٣ أسابيع جاهزة للتشغيل التجارى، أما الوحدات البخارية فستكون جاهزة بعد شهرين من الآن، تمهيدا لتوصيلها بالشبكة القومية لنقل الكهرباء.
وأشاد المدير الألمانى للموقع، بالتعاون بين «سيمنس» وشركة «السويدى» للإنشاءات، وبين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، وأيضا جميع شركاتها المعنية، لافتا إلى أن كل جانب كان يعى احتياجات الآخر، ويلبيها على أكمل وجه وفى الوقت المحدد.
وأكد أن العمل فى بناء المحطة عبر جميع المراحل استغرق نحو ٣٧ مليون ساعة، دون تسجيل إصابة خطرة للعاملين داخل الموقع أو حادثة كارثية للإنشاءات، على الرغم من أن طبيعة العمل فى بناء المحطات الكهربائية العملاقة عرضة لكل هذه الأمور السيئة، وفق «هيرمزدورف».
ويفسر ذلك: «الاتفاق بين سيمنس والسويدى شمل كل التفاصيل، وتضمن العمل وفق احتياطيات وشروط عالية الجودة للحماية المدنية وتوفير السلامة للعاملين»، ويتلخص الاتفاق فى اتباع سياسة أطلق عليها اسم «صفر مخاطر» أو ZERO HARM، وعُد هذا الرقم قياسًا للأمن والحماية ضد المخاطر داخل محطات «سيمنس» وخارجها عالميًا.
ويتطرق «مايكل» للصعوبات، التى واجهتهم فى بناء المحطة: «تمكنا من إزالة نحو ١.٧ مليون كم مربع من الأحجار والصخور والأتربة من الموقع، واستغرق هذا الجزء من العمل فقط نحو ٥ أشهر».
ولفت مدير الموقع إلى بعض المهمات والخامات التى كانت مطلوبة فى إنشاء المحطة فى مراحلها الأولية، مثل الأسمنت والحديد، قائلًا إنه تم شراؤها من شركات محلية مصرية ولم يستوردوها من الخارج، بخلاف الاستعانة بعمالة مصرية بنسبة ١٠٠٪ للمشروع.
وعن الخبراء الدوليين، لفت إلى أنه خلال الفترة السابقة جرى الاستعانة بنحو ٢٠٠ خبير، تراجع عددهم حاليا إلى ١٥٠، يحملون جنسيات مختلفة، وذلك بهدف الاستفادة من خبراتهم التقنية، وليس بصفهتم مكاتب استشارية فقط.
أما بالنسبة لعاملى الطقس والمناخ، فإن ذلك لم يكن يضايق الرجل الألمانى فيما يبدو: «كان اضطراريًا التأقلم على طبيعة العمل فى إحدى بقاع الصعيد المصرى».
وأضاف عن المصريين، الذين تعامل معهم: «بحكم التنقل بين مواقع العمل حول العالم، لم تكن هناك صعوبة فى تفهم ثقافة العمالة المصرية، لكن عملى مع ٧ آلاف مهندس وفنى وعامل مصرى، مثل تحديا لى، ولأنه من الضرورى أن تتقارب وجهات النظر بيننا، فإنى تعلمت من المصريين وتعلموا منى، من أجل أن نصل سويًا إلى تحقيق الهدف الأول، وهو بناء أكبر محطة كهرباء فى العالم فى بنى سويف».

مهندس: العمل لـ18 ساعة وكله يهون.. المهم ألا يتوقف التحرك لحظة واحدة
أحمد حسن، ٣٥ سنة، شاب من خريجى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية فى ٢٠٠٤، وهو مدير مجموعة التركيبات الميكانيكية فى موقع المحطة العملاقة.
عمل «حسن» بالخليج فى شركات دولية وعاد إلى مصر فى ٢٠٠٩، ليلتحق بالعمل فى شركة «السويدى إلكتريك».
كانت بدايته فى محطة النوبارية فى ٢٠١٠، ثم انتقل لمحطة كهرباء أبوقير فى العام الذى يليه، ثم فى العين السخنة، ضمن العقد المبرم بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة والشركة، بشأن أعمال الصيانة اللازمة للوحدات البخارية.
وفى ٢٠١٥، التحق مدير مجموعات التركيبات الميكانيكية بالعمل فى محطة عتاقة فى السويس، ثم المحمودية فى البحيرة، ضمن التعاقد مع وزارة الكهرباء على تنفيذ الخطة العاجلة للمحطات الكهربائية، قبل أن يشرف على جزء مهم من المشروع الضخم هنا فى بنى سويف.
يقول «حسن»: «دورنا كمجموعة التركيبات الميكانيكية أن ندرس المشاكل المتوقعة ونضع لها الرؤية والحلول وفق برنامج زمنى محدد، وهو نفس الزمن لتنفيذ مراحل تركيب الوحدات فى المشروع».
ويشدد على أن العمل داخل الموقع لا يتحمل الأخطاء التى قد تؤدى لتعطيل أى شىء وإلحاق الضرر بالمشروع، «لذلك نحن نضع الدراسات الخاصة بالمستقبل وليس الوقت الراهن، حتى نتفادى أى مشكلة قد تحدث».
وتتسم طبيعة العمل الذى ينفذه «حسن» وفريقه بقراءة المستقبل من منظور علمى، وتعرف هذه المهمة فى المشروعات الكبرى بمجموعة إدارة الأزمات.
فى بداية المشروع، استغرق المهندس وفريقه فترة حتى يدرسوا الموقع بعناية: «كنا مازلنا نتعرف على المكان والعاملين والمجموعات والإدارات، وضعنا أطرا وآليات للعمل فى المستقبل، بالإضافة إلى ترسيخ آلية التنسيق مع الإدارات الأخرى، وفهم طبيعية الشريك الأجنبى»، مشيرًا إلى أن هذا هو التعاون الأول وحسب «حسن»، يعمل فريق التركيبات الميكانيكية فى بعض الفترات لأكثر من ١٨ ساعة يوميا قائلًا: «الشغل هنا داخل المحطة لا يتوقف على مدار الـ٢٤ ساعة، ومررنا بأوقات عصيبة، اضطررنا خلالها للعمل بشكل متواصل، لكن كل ما كان يهمنا هو ألا يتوقف المشروع ولو للحظة واحدة».