جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عبير عبدالعزيز.. اعترافات شاعرة حطَّمت أصنام الشعر بـ«طابع بريد»

الشاعرة عبير عبد
الشاعرة عبير عبد العزيز

عبير عبدالعزيز: "ادعم شعر" أنتجت 380 طابعا و6 أفلام لشعراء ورسامين من كل العصور بالتمويل الذاتي
• دخلنا المدارس العامة والفنية الصناعية.. ونطلق 5 أفكار جديدة مع بداية 2018
• قدمنا قصيدة النثر للصم والبكم بلغة الإشارة.. ونجهز لفكرة "كوميكس شعر"
• نفذت فكرتي على غرار حملات دعاية السلع والمنتجات والتكاليف المالية ذاتية
• "ادعم شعر" ليست مشروعًا نسائيًا.. والطوابع أسرع وسيلة لترويج القصائد
• لا جمهور للشعر في ظل عزوف الناس ودور النشر عن إنتاجه.. لا يوجد في المشروع غير مصريين.. لا تمويل من أي جهة حكومية أو خاصة مصرية أو أجنبية


"القصيدة نغزةٌ في القلب ويدٌ تبحث في الفراغ لتعودَ دائمًا بالقليل كم من شعراء وشعراء يقيمون الحواجز يبنون الأعشاش والأقفاص لظلالِ قصائد خاوية لكن القصيدة القصيدة تظل في الخارج"؛ هكذا ترى الشاعرة عبير عبدالعزيز الشعر، وفقا لواحد من نصوصها.. وفي الأيام القليلة الماضية صدر أحدث دواوينها "يوم آخر من النعيم" في طبعة خاصة لمشروع تحت الإنشاء "ستاند شعر"، وهو واحد من مشاريع حملتها "ادعم شعر" التي حقتت انتشارًا وتأثيرًا عميقا داخل الأوساط الثقافية، وخصوصا في مجالي الأدب والفن التشكيلي، وخارجها في المدارس بمناطق متعددة، وهو ما أثار نهم كثيرين لمعرفة كل شيء عن "ادعم شعر" وتوابعها، بداية من الفكرة والتأسيس، ومرورًا بالتنفيذ، ووصولا إلى تحريك السكون حول جدوى الشعر، ومع مواصلة الحملة طريقها نحو الهدف المنشود، وتحقيق نجاحات في وقت قياسي، ثارت تساؤلات حول المراحل، ومعايير اختيار النصوص والشعراء، ولم يخل الأمر كالعادة من تساؤلات "التعاون والدعم والتمويل"، خصوصًا أن حملة "ادعم شعر" تحولت إلى استراتيجة تسعى لوضع فن الشعر في موقعه الحقيقي كأحد أضلاع القوة الناعمة المصرية في الداخل والخارج، وهي استراتيجة لم تتوصل لها عقلية لجان وبيوت الشعر الرسمية، المدعومة رسميا، والممولة من ضرائب يدفعها شعب يحتاج إلى روح الشعر كي يتعايش، في حين يعيش أرزقية الشعر وأصنامه على أرواح الناس. 

"الدستور" وضعت كل التساؤلات على مائدة الشاعرة عبير عبدالعزيز.. وإلى نص الإجابات..


الترويج للشعر بمفهومه الجديد وبقيمته القديمة
عندما بدأت حملة "ادعم شعر" كان الهدف الأول والأساسي منها هو الترويج للشعر بمفهومه الجديد وبقيمته القديمة التى تورات، وكنت قد أدركت بعد عملي في مشروع "ذات للشاعرات" على مدى ثلاث سنوات متتالية أن الحلول الجديدة والطرق المبتكرة لتقديم الشعر ليست كافية لتحقيق الهدف، بسبب عامل الزمن وأسلوب التسويق، فكان لا بد من طرق وحلول جديدة في الفكر التسويقي لتقديم صوت الشعر بقوة، ليس بالتنقيب عن الكنوز وحسب، إنما بجعلها صالحة للعرض بالكشف عن قدرها الحقيقي.

جاءت فكرة الحملة على غرار حملات الدعاية للسلع والمنتجات، وكثير ما استغرب البعض لوجود حملة للشعر، وهو ذلك الثقيل الذي لا يلمع وسط ما يلمع الآن وما يسرق القلوب والعقول، وربما أرى الشعر خلاف كثير من الشعراء، فهو بالنسبة لي يملك قوى سحرية لتغيير الأمور والأشخاص، يستطيع تمليك سلطة وتغيير اقتصاد، فهذا الخفيف يمنح الفنون تألقًا، وإذا ما تم تأكيد على ذلك فسوف يعتاد عليه الجميع. 

كان لابد للحملة من أفكار عميقة وسريعة ومتتالية لتباغت العقول الجامدة وتفاجيء الجميع بحلول حركية في أماكن الثبات والجمود، وعلى مدار عام كامل 2017، أطلقت 12 فكرة؛ واحدة لكل شهر، وكان للحملة توجهان أساسيان، الأول ربط الشعر بعلاقات جديدة مع كل الفنون التي تعامل معها سابقا مع تجديد وابتكار لهذا التقديم، أو مع فنون لم يقترب منها سابقا، والتوجه الثاني هو دحض اتهام الشعر بأنه مثالي وخيالي وليس له مكان في الواقع، فكان لا بد أن يتجول الشعر ويلمس ويؤثر ويتأثر بالواقع والناس والحياة، ويفرض بعضا من سلطته ولو بخطوات قليلة كبداية.

شجرة الطوابع.. وربط الشعر بعلاقات جديدة مع كل الفنون
"طوابع شعر" كانت فكرة البداية؛ صنعنا "شجرة شعر" المليئة بتلك الطوابع، ثم "أنيميشن شعر" وسرنا من خلالهما في خطى التوجه الأول؛ فكان الشعر يقدم مع الفن التشكيلي بكل أنواعه من رسم ونحت وكاريكاتير وبورتيريه وتصميم، وأعدنا صياغة كل ذلك مع الشعر عبر العصور، بل وأعدنا الحياة لملصق عتيق كاد يندثر هو "الطابع"، وقدمناه في صور متنوعة ومتسعة، ما جعله ينتعش مرة أخري ويهوى امتلاكه الجميع.

تفاعل معنا كثيرون، وأنا اعتبر فكرة "طوابع شعر" الأجمل والأذكى والأسرع في الترويج للشعر، وقد انتجنا ما يزيد عن 380 طابعا حتى الأن لشعراء ورسامين من كل العصور ومعظم الدول، كان كل شاعر ورسام على قيد الحياة يتشارك طابعه على صفحته الشخصية أو العامة، وبذلك تتسع رقعة الجمهور والمشاهد وتتنوع، كما أن "كروت الطوابع" تم توزيعها في حفلات ومناسبات الحملة على شعراء وفنانين وأشخاص عادين، ووزعت كهدايا لمن يشتري أي ديوان شعري في معرض القاهرة للكتاب، ومعرض الدار البيضاء بالمغرب"، فضلا عن عرضها كالوحات بحجم أكبر، ووزعت ككروت هدايا في مؤتمر للغة العربية بميلانو بإيطاليا، ثم في احتفالية المعهد المصري في روما بيوم الشعر العالمي 21 مارس 2017، كما تم توزيع الطوابع في مدارس المرحلة الثانوية العامة والفنية الصناعية بنين وبنات.

"مجموعة الهدايا".. و"أنيمشن شعر"
ما زالت رحلة الطوابع تكمل طريقها في الانتشار من خلال نزولها أماكن ومحافظات، بل ودول أخري، بالإضافة لانتاج مجموعة جديدة منها تحت عنوان "مجموعة الهدايا" حيث نهدي كل فترة مجموعة للشعراء الذين لم يسعنا الوقت لعمل طابع لهم، وسوف ننتج أيضا مجموعات تخص بعض الاحتفالات والمناسبات التي لابد أن يحيا فيها الشعر ويتواجد، وكانت أولها طوابع "شم النسيم"، وقد استمر وجود شجرة الطوابع لثلاثة أشهر متتالية "يناير وفبراير ومارس" في جاليري الفنان جلال جمعة في مبنى الجريك كامبس بوسط القاهرة ليشاهدها الجميع. وهي الآن في منزلي لاستعمالها في أى مكان مرة ثانية وعرضها في حفلات معارض تخص الشعر ومناسبات الحملة.

أما فكرة "أنيمشن شعر" فتقوم على توازي الشعر مع فن من فنون السينما، وهو الأنيمشن، وقد اختارت الحملة بعضًا من أفلام الأنيمشن القصيرة الحاصلة على جائزة الأوسكار لتقدمها برؤية شعرية موازية، كي نشعر أن الشعر جزء أساسي من الفيلم، ونقدم فيها ستة أفلام من بلدان متنوعة، وسوف نعرض كل أربعة أيام فيلما على صفحة الحملة. 

عرضنا الفيلم الأول في احتفالية نهاية شهر فبراير، وهو الفيلم الهولندي "أب وابنة"، وحاصل على جائزة أوسكار عام 2001 عن فئة أفلام الأنيمشن القصيرة، فضلا عن عشرين جائزة أخرى، وتوازى الفيلم مع قصيدة للشاعرة المصرية آلاء حسانين، وعلى هامش الاحتفالية أقيم معرض "طوابع شِعر" لمائة طابع، وتم عرضهم كلوحات بسيطة للمشاهدة، كما تم توزيع طوابع شِعر على الحاضرين كهدايا من شجرة الشِعر.


ملامسة الواقع بدخول المدارس.. وقريبا في الجامعات
بعد ذلك كان لابد من فكرتين يخترقا الاتجاه الثاني للحملة وهو النزول والتأثير وملامسة الواقع وحياة الأفراد وليس الفنون فقط. فكانت فكرة شهر مارس "الشعر جوه المدارس" حيث نزلنا مدارس المرحلة الثانوية بتنوعها.. كان رد فعل الطلاب خصوصا في المدرسة الصناعية رائعا رغم المخاوف من عدم تقبلهم لفكرة الشعر أصلا، فحين عرضنا فيديو للشاعر الراحل محمود درويش، نطق الطلاب في صوت واحد "الله"، وعندما سألتهم هل تعرفونه أجاب الجميع بالنفي، وسجلوا في كراستهم قصيدة "لاعب النرد"، وعندما أخبرتهم بوجود الفيديو على اليوتيوب، كان معظمهم يريد الاستماع لها مرة أخرى.. وياللمفارقة فجميعهم لم يسمعوا عن العظيم فؤاد حداد أو أمل دنقل، بينما قال البعض إنهم يعرفون هشام الجخ. 

هدفنا في تلك المرحلة جذب تلك الفئة للشعر بمفهومه الجديد في التسويق وهو أنه ساحر، يحمل حلولا وقوى حتى يتمنى الجميع الاقتراب من عالمه، وسوف نكمل معهم في ورش مجانية للشعر والفنون في الإجازة الصيفية، وسوف نستكمل في بداية الفصل الدارسي الجديد، بل سننزل الجامعات.

قصيدة النثر للصم والبكم.. بلغة الإشارة
أما "إشارات شعر" فكرة لجذب وخدمة متلقين جدد، فهم فئة الصم والبكم، وقدمنا من خلالها ثلاثة فيديوهات لقصائد نثر؛ مستعملين لغة الأشارة، آملين أن نصل لكل هؤلاء، وكان الفيديو الأول للشاعر السوري رياض الصالح الحسين (54- 1982)، وجاء اختيارنا له لأنه واحد من أهم شعراء قصيدة النثر من ناحية، ولأنه نموذج مثالي للمستهدفين من ناحية أخرى؛ فهذا الشاعر منعه الصم والبكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه واضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل وموظف وصحفي، وعانى من مشكلة البطالة، لكنه استمر في كتابة الشعر والموضوعات الصحفية حتى وافته المنية، وقدمت الحملة له قصيدة "رغبات" بلغة الإشارة بالإضافة للشعراء السوريين في الطوابع. 

"ديلفيري شعر"
قدمنا بعد ذلك فكرة "ديلفيري شعر"، وهى شكر وتقدير لبعض المشروعات الفنية التي تقوم على أفراد مثلنا وتخدم الفن والمجتمع، ثم "تتر وقصيدة" وهى تقديم قصائد مع تترات لأفلام سينمائية، وبذلك نقدم القصائد والتترات كعمل فني جديد، كما نتيح قراءة النص الشعري بطريقة جديدة غير مسبوقة، ونستعيد تراث سينمائي بالتركيز على منطقة طالما قل التحدث عنها رغم ثرائها الفني وهي التتر السينمائي الفني كعمل مستقل، وما زالت الحملة تكمل طريقها ونحن نجهز فكرة "كوميكس شعر، وادفع لي شعر، إيموشن شعر".. وهناك أفكار أخرى جارٍ الإعداد لتنفيذها.

فكرتي والتكاليف بالكامل ذاتية دون دعم
بالنسبة للفكرة فأنا صاحبة الفكرة، وأريد أن أؤكد أن الحملة ليست مشروعًا نسائيًا، ولكنه مشروع يدعم الشِعر في الأساس، حيث تنوعت أعمال الحملة بين الشعراء والشاعرات والفنانين والفنانات كل على حد سواء. 

أما التكلفة المادية فأتكفل بها كلها بنفسي؛ دون دعم مادي من أشخاص أو مؤسسات حكومية أو خاصة، ولا أنكر الحمل كل خطوة ثقيل، لكنني طالما أستطيع سأكمل، وكال ما أحصل عليه من أي عمل أضعه للفن، وبفخر أشعر أنني أصنع حصالة سحرية سترد لي مجهودي ذات يوم، وكل ماأطلبه من دعم هو المشاركة بالأفكار والمشاركة، وقد كان هناك من الداعمين لي الكثير، وكان هناك الصامتون الذين يتكلمون معي فقط حين يروني أمامهم شخصيا، فهم يشاهدون لكنهم قوى سلبية، وهناك من يشجعون في الرسائل داخل صندوق الأنبوكس لكنهم لا يظهرون للتعليق على الأعمال، لكنني لست مشغولة إلا بهولاء الصغار الذين ينبتون الآن على ببطء؛ يحدقون في الحديقة ويشيرون لي ويتسألون من قريب وبعيد هل من مزيد؟

من لا يشكر الناس لا يشكر الله
أشكر كل الفنانين والكتاب والأصدقاء الذين ساعدوني بالدعم الفني والمجهود والوجود والنصيحة والتشجيع حتى يتم إخراج الفكرة كما ظهرت على الشكل اللائق بالمتلقي والعمل المقدم، وأخص بالذكر الفنانون شريف محمود، وأحمد سليمان، وهشام بهجت عثمان الذي صمم طوابع لوحات والده الفنان بهجت عثمان وأهداها للحملة. أما تسجيل ومونتاج جميع أفلام "أنيمشن شعر" فمن عمل الفنان فهد سعيد، وأشكر أيضًا رانيا منسي منسقة دعاية الحملة، والفنانين والأدباء جلال جمعة، وسمير عبد الغني، وماهر دانيال، ومحمد ابو زيد، وطاهر الشرقاوي، وتامر النطاط، ومحمود سيف الدين، وشريف محمود، وهشام سليمان، وسالي الزيني، وسارة عابدين، ودعاء فتوح، وهشام الصباحي، وسمر نور، ومها شهاب، وناهد السيد، وهبة عصام.