جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

"شم النسيم".. حين يظهر قرص الشمس أعلى قمة الهرم الأكبر.. مسلمون وأقباط الجميع يحتفلون.. خلده المصريون القدماء.. وقلدهم اليهود بعيد "الفصح".. والصحة: تحذر من الإسراف في تناول الفسيخ

المصريون القدماء
المصريون القدماء

"شم النسيم" عيد مصري احتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد، وكان يطلق عليه اسم "شمو" باللغة المصرية القديمة، ثم تحرف الاسم إلى شم، وأضيف إليه النسيم، حيث كانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذي يقع عند الانقلاب الربيعي.

ولا زال المصريون يحتفلون بهذا العيد إلى اليوم حيث يوافق يوم الإثنين 2 مايو المقبل، ويصادف اليوم التالي لعيد العمال هذا العام، حيث يخرج المصريون في مظهر للوحدة الوطنية بأسرهم إلى المتنزهات العامة ويلعب الأطفال، ويتناولون الوجبات المخصصة للاحتفال بهذا العيد منذ قدماء المصريين مثل الفسيخ والبيض والبصل والليمون والخضراوات.

وجاء ارتباط عيد الفصح اليهودي والمسيحي بشم النسيم بمجرد الصدفة، حيث اتخذ اليهود هذا العيد عن قدماء المصريين منذ عهد بنى إسرائيل، ليتخذوا يوم خروجهم من مصر مع نبي الله موسى الاحتفال بهذا اليوم لانشغال المصريين بالاحتفالات، واتخذوه بعد ذلك اليهود عيدًا وأطلقوا عليه "عيد الفصح".

وأكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، المدير العام للبحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحري، أن احتفالات شم النسيم انتقلت إلى المسيحية لتوافقه مع عيد القيامة الذي يقع في يوم الإثنين الذي يلى عيد القيامة.

قرص الشمس والهرم الأكبر

وأشار ريحان، في تصريحات له، إلى أن المصريين حددوا عيد الربيع بميعاد الانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل يوم 25 من شهر برمهات، وكانوا يحتفلون بالإعلان عن ذلك اليوم بليلة الرؤية، حيث يجتمعون أمام الوجهة الشمالية للهرم الأكبر في الساعة السادسة من ذلك اليوم حين يظهر قرص الشمس قبل الغروب، وخلال دقائق محدودة يبدو كأنه يجلس فوق قمة الهرم.

ويرى بعض المؤرخين أن الاحتفال بشم النسيم كان معروفا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة أون عاصمة مصر بالعصور القديمة، ما قبل الأسرات، فيما كان يحتفل المصريون القدماء بالعيد في الليلة الأولى أو ليلة الرؤية بالاحتفالات، ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه كل طوائف الشعب، حيث كان يهدى المصري القديم زوجته "زهرة اللوتس" إيذانًا بقدوم عيد الربيع.

وكان الفرعون وكبار وزرائه ومسئولو الدولة حينها يشاركون على رأس هذه الاحتفالات مع الشعب، باعتبار شم النسيم العيد الذي تبعث فيه الحياة، ويتجدد النبات وتنشط الكائنات وتحمل نسمة الربيع رسالة ميلاد الطبيعة، مع عبير الزهور المتفتحة، وهو ما ذكره كتاب لغز الحضارة المصرية للدكتور سيد كريم.

واحتفل المصريون القدماء وتبعهم أحفادئهم الفراعنة الصغار، بخروجهم إلى الحدائق والحقول والمتنزهات لاستقبال الشمس عند شروقها، وكانوا يحملون معهم أدوات اللعب للأطفال والآلات الموسيقية، وتتزين الفتيات بعقود الياسمين، المصنعة من زهور الربيع، فيما يحمل الأطفال زعف النخيل المزين بالألوان والزهور، ويمرح الجميع على أنغام الناي والمزمار والجيتار ودقات الدفوف مع أصوات الأناشيد والأغاني الخاصة بعيد الربيع.

وذكر"لغز الحضارة المصرية، أنه كانت تجري المباريات الرياضية والحفلات التمثيلية، وكانت صفحة النيل تمتلئ بالقوارب التي تزينها الزهور وغصون الأشجار المثمرة، وينقش على أشرعتها كلمات الترحيب والتهنئة بعيد الربيع، وتقام الحفلات والندوات في الميادين والأماكن العامة.

البيض والفسيخ

وأكد الدكتور عبدالرحيم ريحان، أن علاقة احتفالات شم النسيم بالبيض عند المصريين القدماء باعتبار البيض رمز لخلق الحياة من الجماد، واعتبر تناول البيض في هذه المناسبة إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وكانوا يقومون بالنقش على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل ويعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار لتحظى ببركات الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم.

وظهر تناول الفسيخ "السمك المملح" بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بعيد شم النسيم في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل، وأظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ، إلى جانب تناول البصل لارتبطه عندهم بإرادة الحياة والتغلب على المرض، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم، ويضعونه تحت الوسائد، وما زالت تلك العادة منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم.

وتناول المصريون القدماء الـ"عب"، باللغة الهيروغليفية، وكان يطلق على "الخس"، والذي اعتبروه ضمن الوجبات الأساسية في هذا الاحتفال، مع تناول نبات الحمص الأخضر، الذي أطلقوا عليه اسم "الملانة"، وجعلوا وقت نضوج الثمرة إشارة إلى قرب الربيع.

وجاءت عادة تلوين البيض كتقليد متبع فى جميع أنحاء العالم، بدأ فى فلسطين حين أمر القديسون بالديانة المسيحية، بأن يصبغ البيض باللون الأحمر ليذكرهم بدم المسيح الذى سفكه اليهود، وظهر بيض شم النسيم لأول مرة مصبوغا باللون الأحمر، ثم انتقلت تلك العادة إلى مصر وحافظ عليه الأقباط بجانب ما توارثوه من الرموز والطلاسم والنقوش الفرعونية.

الصحة تحذر

وحذرت وزارة الصحة في بيان لها، المواطنين من تناول الأسماك المملحة والمدخنة وخاصة الفسيخ فى عيد شم النسيم، لكونها تمثل خطرًا شديدًا على الصحة قد يصل إلى الشلل أو الوفاة.

وطالبت الوزارة، المواطنين بسرعة التوجه الى أقرب مستشفى أو مركز علاج سموم عند ظهور أى أعراض مرضية خلال 24 ساعة من تناول الفسيخ لإنقاذ حياتهم، مع ضرورة التأكد من شراء الأسماك المملحة والمدخنة من المحال المعروفة والخاضعة للإشراف والرقابة، وعدم شرائها من الباعة الجائلين أو تصنيعها بالمنازل.

وحذرت، من الإسراف فى تناول "الفسيخ" لاحتوائه على نسبة عالية من الأملاح قد تصل إلى أكثر من 17% من وزن هذه الأسماك وتسبب ضررا شديدا لمرضى الضغط وأمراض القلب وأمراض الكلى والحوامل والأطفال، مطالبة بتجنب تناول رأس وعظام وأحشاء الأسماك المملحة نظرا لتركيز السموم فى هذه المناطق.

وأشار بيان الوزارة، إلى أنه تم توفير كميات كافية من مصل "البوتيلزم" لعلاج حالات الطوارئ، إلى جانب تكثيف الحملات للرقابة على المنشآت الغذائية وأماكن تصنيع وبيع الأسماك المملحة.

وأكد الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، أن تكلفة مصل علاج المريض الواحد تصل إلى 90 ألف جنيه، قائلًا:"الوقاية دومًا خير من العلاج وتناول الفسيخ الفاسد يسبب التسمم الممبارى والذي تظهر الأعراض الأولى له خلال 12 ساعة من تناوله بجفاف الحلق ، وصعوبة البلع، وزغللة بالعين وازدواجية فى الرؤية، وضعف بالعضلات تبدأ بالأكتاف والأطراف العليا وتنتقل إلى باقى الجسم، وضيق فى التنفس، ومن الممكن أن تؤدى إلى الوفاة".

ولفت مجاهد إلى أن هناك حملات لضبط وتحليل الأسماك المتواجدة، للتأكد من صلاحيتها للحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، قائلًا:"طريقة تحضير الفسيخ غالبا ما تكون غير آمنة كما يتم استخدام الأسماك الطافية على سطح الماء والتى تكون تعرضت لأشعة الشمس وبدأت تنتفخ وتتحلل، ويضاف عليها الملح ويتم بيعها على أنها فسيخ بعد ثلاثة أو أربعة أيام، فيما تكون السموم الموجودة فى الفسيخ لا يبطل مفعولها وتأثيرها على الإنسان إلا إذا تعرض الفسيخ لدرجة حرارة 100 درجة مئوية لمدة عشر دقائق وهو ما يحدث بالقلى فى الزيت"، لتكون هذه الرسالة الطبية للمواطنين للحفاظ على حياتهم في هذه الاحتفالات التى تأتي على الشعب المصري في جو من الاستقرار والوحدة.