رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما العمل مع دولة الأمناء؟


... خاصة بعد عصر ٢٨ يناير ٢٠١١ من سلب ونهب وحرق وضرب واقتحام سجون ولكن الذى حدث كان الصورة العملية الظاهرة والناتجة والمعبرة عن تحلل المجتمع وتفكك النظام السياسى وقبل يناير ٢٠١١ بسنوات نتيجة لفقدان النظام الشرعية الجماهيرية، حيث أدرك الجميع خاصة الطبقة المطحونة ومحدودة الدخل وأيضاً الطبقة المتوسطة التى انحدر حالها وواصلت النزول والانحدار لما يقرب من الطبقة محدودة الدخل أدركوا أن النظام الفاسد الذى زاوج بين السلطة والثروة، والذى يتحدث نظرياً وشعاراتياً عن الفقراء لا يستفيد من العائد القومى غير شلة الواصلين والسماسرة والتابعين. ولكن وللأسف وحتى وبعد ٢٥/٣٠ وحتى الآن فلا يوجد دوافع حقيقية ورؤية سياسية وسياسات عملية تحقق العدل والمساواة والعدالة ودولة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء. لذا وجدنا وعلى ضوء هذا الواقع أن كل فرد وكل قبيلة وكل جماعة وأى نقابة لا ترى إلا ذاتها ولا تدافع على غير نفسها وأعضاء عائلتها القبلية وعلى حساب الجميع، أفراداً ودولة وقانوناً، وبالتالى على حساب القيم والأخلاق والمبادئ.

وموقعة أمناء الشرطة مع أطباء المطرية والتى تأججت وتفاقمت وتصاعدت واستغلت ومازالت تستغل دليلا على تفشى ظاهرة إسقاط القانون.

وبوضوح شديد وللأسف فإن دولة ما يسمى بأمناء الشرطة وهى المنوط بها وبهم الحفاظ على الأمن وحماية القانون والقيام بتطبيقه نراها قد زادت من بطشها واستبدادها وتجاوزاتها فى طول البلاد وعرضها ضاربة بالجميع عرض الحائط. ودولة أمناء الشرطة قد بدأت فى ستينيات القرن الماضى مع شعراوى جمعة، وزير الداخلية الذى أراد الارتفاع بمستوى الخدمة الشرطية ومستوى تعاملها مع المواطنين وحتى يكونوا حلقة الوصل بين رتبة الضابط وما فوق. وبين الرتب الأدنى من عسكرى وحتى خفير. خاصة تلك الرتب الأدنى لم تكن مؤهلة لا علمياً ولا مهنياً، حيث كان العسكرى يمكن أن يكون أمياً لا يفك الخط. وكان معهد أمناء الشرطة يقبل الحاصلين على الثانوية العامة وما فى مستواها ويقوم بالدراسة لمدة سنتين دراسيتين.

ولكن فما بالك بأن السنتين الدراسيتين وفى ظل الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى كان الطلب يتخرج بعد ستة أشهر فقط.

ولكن كانت فكرة الأمناء مبهرة وتحمل تطوراً محموداً فى المنظومة الشرطية خاصة أن الشرطة فى مصر وعلى طوال تاريخها ترتبط بالسلطة وبالسلطان وهى أداة للنظام السياسى وليس أداة للحفاظ على القانون وتطبيقه، ولذا وجدنا أن التعبير الجماهيرى والهبة الشعبية فى يناير كانت ضد سلطة مبارك ونظامه ولكن كان المعبر الأهم لهذه السلطة، وذاك النظام هو الشرطة والجهاز الأمنى. وكان ومازال وسيظل هذا الاحساس وذاك الربط المباشر بين أى نظام وبين الشرطة.

كما سيظل تعامل وسلوك وسياسة الشرطة مع الجماهير هو المحك والفيصل فى الحكم على النظام سلباً أو ايجاباً ومع ذلك نرى تجاوزات الشرطة التى تزايدت وتكرست فى ممارسات وسلوك هؤلاء الأمناء الذين شعروا أنهم على السلم لا هم شرطى وخفير الماضى ولا هم ضباط والقيادات الأعلى. ولذا وجدنا علاقة العمل بين الأمناء وبين الضباط علاقة ملتبسة لا علاقة مرؤوس ولا علاقة زميل. ولا نبالغ لو قلنا إن مناخ وممارسات الأمناء داخل المؤسسة الشرطية أو خارجها مع الجماهير قد انسحبت بل أصبحت عدوى أصابت الضباط والرتب الأعلى، فممارسات الأمناء لم تقتصر على التعامل الفظ مع الجماهير أو التطاول على الجماهير لدرجة القتل الذى أصبح شبه يومى وآخره سائق الدرب الأحمر الذى استدعى تدخل الرئيس السيسى شخصياً لخطورة الموقف ودرءاً لتصاعد الأحداث والتى يتم استغلالها بشكل متزايد ومكثف من الذين لا يريدون خيراً للدولة وللوطن.

فكيف يكون حامى الأمن هو الذى يهدر قيم وأخلاقيات هذا الأمن؟ كيف للأمين على محاربة الفساد والرشوة يتحول إلى الأمين حاتم؟ فهل أصبح حاتم يوسف شاهين هو النموذج والقدوة لدولة الأمناء؟ وهل تملك الدولة والنظام كبح جماح دولة الأمناء بعد تلك الممارسات والتهديدات التى مارسوها فى مواجهة الشرطة ذاتها وقياداتها من الوزير مروراً بمديرى الأمن وحتى الرتب الأدنى؟ ما هو الوضع وكيفية مواجهة تلك الممارسات بعد عدم امكانية تطبيق القانون ضد مظاهرات الأمناء والتى أفقدت النظام مصداقيته فى تطبيق قانون التظاهر على الشباب؟ الوضع بالفعل خطير والموقف جد لا يحتاج الهزل والتقاعس. نعم طلب السيسى تقديم تعديل أو قانون جديد ينظم العمل والعلاقة مع الجماهير وتقديمه للبرلمان فى خلال ١٥ يوماً ولكن لن يكون الحل هو مزيد من القوانين ولكن العبرة والأهم هو تمهيد المناخ وتجهيز الأرض حتى يمكن تطبيق القانون وحتى لا يكون القانون بعد عدم تطبيقه فرصة جديدة لدولة الأمناء حتى تمارس مزيداً مما هو كائن ومرفوض. الحل هو القانون وتطبيقه.