رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسطورة الجزية «١-٢»


... أى أن هؤلاء بحثوا عن أعمال أسلافهم فاتبعوها فكانوا من أهل السلف! فهؤلاء هم من قال عنهم الشاعر لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادى، وحين ناديت بضبط مصطلح الكفر على القرآن الكريم هاج أصحاب العقول المتيبسة، فماذا لو كتبت عن أهل الكتاب وقول القرآن الكريم عنهم! كن على يقين يا أخى أنه لا أحد وقتها سينظر إلى القرآن ولكنهم سينظرون إلى ما صنعته أيديهم.

ولكننا الآن سنضبط الكل على القرآن، فهو الميزان، أنزله الله بلسان عربى مبين، وتأمل يا صديقى فى كلمة «لسان» ولك أن تسأل: لماذا لم يقل الله إنه أنزله بلغة عربية مبينة، لأن اللسان أصح وأفصح، أما اللغة فمن اللغو، لذلك لم ترد كلمة لغة فى القرآن أبداً، ولكنه اللسان، لذلك قال الله «وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه» وقال أيضاً «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ» وقوله «بلسان عربى مبين» وهكذا فى كل آيات القرآن، ولأن جيل النهضة الحديثة فى مصر كانوا يفقهون هذا الاختلاف لذلك عندما أنشأوا مدرسة تدرس لغات الأمم أطلقوا عليها «مدرسة الألسن» فى حين أن الأزهر عندما أنشأ كلية لهذا الغرض أطلق عليها «اللغات والترجمة»! انظر الفارق وقل سبحان الله ، كيف يحكمون.

هذا القرآن الكريم يا صديقى الذى جاء بلسان عربى مبين جعل الله له لساناً خاصاً به، له قاموسه ومفرداته، ولا يمكن أن نفهم كلماته بمجرد أن نمررها فقط على اللسان العربى، ولكننا يجب لتمام فهمها أن نمررها على باقى القاموس القرآنى، أو قل باقى اللسان القرآنى، ولكى أقرب المعنى للأذهان أقول إننا من خلال القرآن عرفنا أن الضوء غير النور «هو الذى جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً» فليست كلمة النور هنا من مترادفات الضوء، ولكن الضوء هو الذى يأتى من المصدر مباشرة أما النور فهو الذى يأتى كانعكاس من المصدر، والجسم غير الجسد، فالجسم يطلق على ما يكون فيه روح وحركة، أما الجسد فيستعـمل لمـا ليـس فـيـه روح أو حيـاة؛ وذلك استـناداً لقول الله ـ تعالى «وَإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ» وقوله تعالى «وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا» والصب غير السكب، فالصب يدل على شدة الاندفاع والقوة، لذلك يقال عن المحب الذى اندفعت مشاعره بقوة إنه صب، كقول الشاعر: الصب تفضحه عيونه، وعن الصب الذى يدل على شدة الاندفاع قول الله سبحانه وتعالى فى سورة عبس «أنّا صببنا الماء صبا» ومنها قوله سبحانه وتعالى فى سورة الفجر «فصب عليهم ربك سوط عذاب» أما السكب فيدل على نزول السائل برفق وهدوء وتتابع كمثل قوله سبحانه وتعالى فى سورة الواقعة «وظل ممدود. وماء مسكوب» .

هل وضحت الصورة، إذن لا يقل لى أحد إن القرآن فيه مترادفات، فهو ليس قصيدة شعرية يعبر فيها الشاعر عن أفكاره بكلمات مختلفة تؤدى نفس المعنى، لا يعنيه أن يقول فى موقع من القصيدة كلمة كأس، أو كلمة زجاجة، أو جسم، أو جسد، أو صب أو سكب، وفقاً للبحر الذى يكتب فيه أو القافية التى يرتجيها، ولكن كل كلمة فى القرآن الكريم تؤدى دوراً محدداً دقيقاً غاية ما تكون الدقة، وهذه الكلمة نستطيع معرفة معناها من خلال لسان القرآن الكريم وقاموسه. وقد دفعنى بحثى حول «اللسان القرآنى وقاموسه الخاص» أن أكتب اليوم عن أهل الكتاب، لذلك فإننى سأعتبر هذا المقال بداية لموضوع فى منتهى الأهمية، أعرف أن أهل التسلف الكاذب، والتأزهر الفارغ ـ نسبة إلى الأزهرـ سيصخبون ويجهرون بالقول عندما يقرأون العناوين إذ أثق أنهم لا يعرفون القراءة حتى النهاية، ولذلك سنلقيهم وراء ظهورنا، أما الموضوع فهو عن أنه «لاجزية فى الإسلام» نعم يا صديقى لا جزية فى الإسلام! وليس الذى أعنيه أن مبررات الجزية لم تعد موجودة أصلاً، ولكن الذى أعنيه هو أن الله سبحانه لم يفرض جزية من الأصل على أهل الكتاب! والحقيقة أن هذا ليس من عندى أو من عند الشيخ سرحان ابن سرحان، ولكنه محض كلام الله رب العالمين! أظن السيد سلفى والشيخ أزهرى سيقولون: إن من كتب هذا الكلام لم يقرأ القرآن الكريم، ولم تمر عليه الآية الكريمة من سورة التوبة « قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» وسيصيح صائح: ها هى الآية تلزمنا بأن نقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أين أنت من هذه الآية؟!. ولكن يا صديقى هل يصمد صياحهم أمام الحقيقة القرآنية! القرآن لمن لم يعلم تحدث عن أربعة أصناف من أتباع الأديان السماوية، هم «أهل الكتاب» وهم عموم جمهور أتباع الأديان السماوية، وصنف قال الله عنهم «الذين آتيناهم الكتاب» وصنف ثالث قال الله عنهم «الذين أوتوا الكتاب» وصنف رابع قال عنهم «الذين آتيناهم نصيباً من الكتاب» وكل صنف من هذه الأصناف له حكمه، ونظامه، والله عندما أمر بالقتال أمر بقتال صنف من هؤلاء الأصناف حددهم وحدد مواصفاتهم حتى لا يختلط الأمر أمام أعيننا فنساوى بين الجميع، ثم بعد أن حدد مواصفاتهم قال إن القتال سيكون لبعض وليس لكل «من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» من الذين أوتوا الكتاب وليسوا من جموع أهل الكتاب يا خلق هُو، والقتال سيكون ضد فريق من الذين أوتوا الكتاب، وليس كل الذين أوتوا الكتاب، ولكن من هم الذين أوتوا الكتاب وفقاً للسان القرآني، وما الفرق بينهم وبين باقى الأصناف الأخرى؟ ولماذا قام الصحابة بفتح البلاد وأخذوا الجزية من أهل الكتاب بالمخالفة للقرآن؟! قبل أن يأتى المقال المقبل أدعوكم للبحث معى فى أى قاموس قرآنى عن الآيات التى جاء فيها «أهل الكتاب» والآيات التى جاء فيها «الذين آتيناهم الكتاب» والآيات التى جاء فيها «الذين أوتوا الكتاب» والآيات التى جاء فيها «الذين آتيناهم نصيباً من الكتاب» وابحث وتفكر معى، ففهم الإسلام ليس حكراً على أنبياء الدين الرابع، المتسلفين والأزاهرة.