رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل هذا برلمان.. وهل تلك ائتلافات؟


البرلمان هو السلطة التشريعية الشعبية الأهم لأن الشعب هو المعلم وهو صاحب القرار فى هذا الوطن، والتاريخ الطويل، والتجارب المتعددة تؤكد ذلك وتثبته مهما طال الزمن، وبالرغم من طول صبر وقدرة تحمل هذا الشعب العظيم فالبرلمان هو الذى يشرع القوانين للسلطة التشريعية، كما أن البرلمان هو ممثل الشعب فى متابعة ومراقبة بل محاسبة الحكومة أى السلطة التنفيذية فيمكنه إقالة أى حكومة بعد سحب الثقة منها عقب أى استجواب جاد وموضوعى وحقيقى، ومبدأ الفصل بين السلطات هو لعدم تغول سلطة على سلطة أخرى، وهنا فالمقصود حسب التاريخ والنشأة والتطور هو عدم تغول السلطة التنفيذية على باقى السلطات خاصة السلطة التشريعية، وذلك لأن السلطة التنفيذية دائماً ما تتملك مظاهر ومقومات القوة وآليات التنفيذ فى جميع المجالات وذلك لأنها القوة الأولى فى النشأة التاريخية والسلطة الأهم فى تاريخ البشرية قبل نشأة وتطور وظهور باقى السلطات نتيجة لتطور الفكر الإنسانى ولظهور الإبداع السياسى وتطور المجتمعات والعلاقات، ثم ظهور الأنظمة التى فعلت دور الشعب والجماهير فى الحكم وفى اتخاذ القرار، كما أن السلطة التنفيذية وهى بالطبع رئيس الدولة على رأسها والوزراء ورئيس الوزراء وباقى مؤسسات الدولةبإمكاناتها المادية وسلطاتها المعنوية المترسخة فى الضمير الجمعى للشعب، حيث إن السلطة القضائية كانت قديماً تدمج فى صلب السلطة التنفيذية بل رهن إرادة وملك يد الحاكم سواء كان ذلك مترسخاً فى ظل الأنظمة الدينية أو كان امتداداً لتمجيد الفرعون وهو الحاكم وهو الإله فى ظل الحكم الفرعونى بجيناته الموروثة بقدر كبير لدى كل المصريين، ولذلك نجد أن السلطة التشريعية أو الشعبية هى آخر ما عرفته مصر طوال تاريخها غير باقى السلطات، فهذه السلطة يمكن أن نقول إنها ظهرت بشكل مباشر حتى ولو كان يحمل من المظهر أكبر وأكثر من المخبر كان ذلك عام ١٨٦٦.

بل كان ذلك نوعاً من تقليد الغرب فى هذا الإطار، حيث إن الغرب كان سباقاً فى تطور الفكر السياسى والديمقراطى ومشاركة الشعب فى اتخاذ القرار، ودليل مظهر السلطة التشريعية كديكور سياسى نجد أنه حتى بعد التطور السياسى الذى شهدته البلاد والذى أفرز دستور ١٩٢٣، حيث كان نظام الحكم ملكياً شبه برلمانى لم يتمكن حزب الوفد وهو حزب الأغلبية الشعبية من أن يحكم خلال ثمانى حكومات من عام ١٩٢٤ وحتى عام ١٩٥٢ غير ثمانى سنوات فقط، وبعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كان نظام الحزب الواحد وكان نظام الحكم لا يعتد بالشكل الديمقراطى قدر اعتداده واهتمامه بالمضمون الديمقراطى الذى يحافظ على مشاركة الجماهير وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية لها، وعندما أعاد السادات النظام الحزبى عام ١٩٧٧ فقد أعاده بذات الامتداد التاريخى الشكلى ونفس المضمون الشعاراتى الذى يهتم بالمظهر أكثر من المضمون، فقد وجدنا دستور ١٩٧١ يعطى صلاحيات للبرلمان لا بأس بها ويقرر حريات للمواطن لها تقديرها ولكن المشكلة دائما هى القدرة الشعبية والقناعة الجماهيرية على تحقيق هذه الصلاحيات وتلك الحقوق على أرض الواقع.

وسار مبارك ونظامه على الطريق نفسه ومارس الأسلوب نفسه وكان البرلمان لا يمثل غير شكل ديمقراطى ومحلل لقرارات الحكومة وممرر لقوانينها التى تريدها من خلال أغلبية مصنوعة ومفروضة .. وكانت ٢٥ يناير و٣٠ يونيه هبات رائعة أسقطت حاكمين وإن لم تحقق الثورة كما نريدها ولكنها أوجدت المناخ الثورى ورفعت درجة تحصيل المعلومة والمتابعة السياسية وأوجدت قدراً لا بأس به من الوعى السياسى والأهم فتحت الطريق للمشاركة السياسية خاصة فى الانتخابات حتى وإن لم يحدث هذا أخيراً لظروف يجب تداركها، والأهم أصبح هناك دستور شبه رئاسى شبه برلمانى أعطى للبرلمان صلاحيات مقدرة يجب ممارستها والبناء عليها حتى يصبح البرلمان والسلطة الشعبية هما الأهم واقعاً وحقيقة.

ولكن ماذا نفعل وتقاوى أرض النفاق تثمر وتزدهر وتترعرع؟ ماذا نفعل والمتسلقون والمنافقون والباحثون عن مصالحهم الذاتية والذين يسايرون كل الأنظمة باسم الوطن والوطنية يتحدثون كذباً باسم هذا الشعب الصابر والعارف والفاهم؟ والغريب والمتناقض أن الرئيس السيسى أعلن ويعلن دائماً أنه لا يريد نفاقاً ولكن يريد الإخلاص والعمل، أعلن أن البرلمان مهم وهام وهو الذىيملك محاسبة الجميع حتى رئيس الجمهورية، ولكن الملكيين أكثر من الملك يريدون إهدارالفرصة وإسقاط اللحظة التاريخية المتاحة بالفعل لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، ويصرون على نفس الممارسات الشمولية ويصرون على تأليه البشر وفرعنة الحاكم لا لمصلحته ولا لمصلحة الشعب ولا الوطن ولكن تصوراً أن هذا هو المناخ الذى يمكن أن يتواجدوا فيه لأنهم لا يملكون أى قدرات حقيقية أو انتماء خالص للوطن وللشعب غير انتمائهم لذواتهم وتحقيق مصالحهم ناسيين ومتناسين أن الشعب لم يعد يستطيع أحد أن يضحك عليه أو يستغفله، انزلوا الشارع واسمعوا الناس ماذا تقول عنكم، اتركوا السيسى مع الشعب الذى جاء به فمصر لن تكون أبداً لغير كل المصريين الشرفاء.