رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من يربح الستة عشر مليار جنيه؟


إسرائيل تريد من مصر أن تدفع لها نحو ستة عشر مليار جنيه مصرى! وهو مبلغ محترم كفيل بإنشاء عدد ضخم من المدارس فى القرى والأرياف التى يتكدس التلاميذ فيها بالعشرات فى قاعات صغيرة للدرس...

... ويكفى المبلغ ويفيض لإنشاء عدد كبير من المستشفيات وتطوير الموجود منها. تطالبنا إسرائيل بالمبلغ بعد قرار مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية إلزام هيئة البترول وشركة «إيجاس» المصريتين بسداد 1,76 مليار دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية أى حوالى 16 مليار جنيه تعويضاً لإسرائيل عن خسائرها من وقف نقل الغاز بعد أن ألغت الحكومة الاتفاقية فى أبريل 2012 إثر هجمات متكررة على خط الغاز. اتفاقية تصدير الغاز سيئة الصيت تم توقيعها فى يونيه 2005 عهد مبارك ود. أحمد نظيف. ورداً على قرار مركز التحكيم أعلنت الحكومة عندنا أنها ستطعن على الحكم. وهكذا ستمضى قضية الغاز فى مجرى قانونى قضائى عبر لجان تحكيم دولية. إلا أن قضية الغاز وتصديره ثم وقف التصدير ليست مسألة قانونية فى الأساس بقدر ما هى موضوع سياسى ووطنى، تجسد فيه التنازل الكامل عن الإرادة والمصلحة المصرية فى عهد مبارك، فعندما تم توقيع الاتفاقية أنفقت الحكومة عندنا نحو خمسمائة مليون دولار على مد الأنابيب فى سيناء لنقل الغاز لإسرائيل بدلاً من استخدام ذلك المبلغ ذاته لمد المياه لزراعة سيناء وتخضير الصحراء. أى أنها غضت النظر بقرار سياسى عن مصالح مصر القومية فى التطور لمنفعة خصمتاريخى شن علينا ثلاث حروب. الأكثر من ذلك أن شركة الغاز الإسرائيلية حصلت على إعفاء ضريبى من الحكومة لمدة ثلاث سنوات من 2005 حتى 2008! هكذا قدمنا الغاز لإسرائيل مدعوماً من أموال الشعب، بسعر أقل مما يباع به، وبإعفاء ضريبي! وقد أثارت الاتفاقية فى حينه غضباً واسعاً ونبه الباحثون ومنهم أحمد السيد النجار فى 2010 بندوة بنقابة الصحفيين إلى حقيقة أن الدولة تبيع الغاز لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية وبدعم يصل إلى أكثر من مليارى دولار! بينما تبيع الغاز ذاته للمواطن المصرى بالسعر العالمى! وفعلياً كانت الدولة تقدم دعمها لإسرائيل وترفع الدعم عن السلع التموينية والخبز فى مصر بحيث لم يزد على 1,9 % من إجمالى الناتج المحلى، فى الوقت الذى يزيد فيه مثل هذا الدعم فى أمريكا مثلا عن 12% ! وهكذا فإننا لسنا إزاء مجرد اتفاقية اقتصادية اعتيادية، بل إزاء صفقة تمثل تنازلاً سياسياً ووطنياً تم فى عهد مبارك. ولهذا كانت انتفاضة يناير 2011 مطلباً شعبياً بوقف سياسة التنازل الوطنى وإهدار ثروات مصر القومية. ولهذا فإن قضية الغاز، والستة عشر مليار جنيه، ليست قضية قانونية تفصل فيها لجان التحكيم الدولية، بل هى قضية سياسية تتعلق بالتنازلات الوطنية التى تمت فى عهد مبارك، وتحتاج إلى قرار سياسى يرفض الاتفاقية المجحفة شكلاً وموضوعاً، ويرفض سداد الغرامة، وقد تخير الزعيم الراحل جمال عبد الناصر المدخل السياسى للمسألة عند تأميم قناة السويس على أساس أن اتفاقية القناة من ذيول التبعية والاستعمار، وكان قرار التأميم قراراً سياسياً تخطى «النزاع القانونى» إلى استرداد الحقوق الوطنية. من دون ذلك سيكون من الصعب أن نربح الستة عشر مليارجنيه خاصة مع نوع من البشر كل تاريخه إحصاء النقود واكتنازها.