رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طه حسين .. العاشق ابن البلد


معظمنا يتصور «طه حسين» فقط فى هيئة المفكر الرصين، الوقور، ويده تحت ذقنه، كأنه لوحة رسمت للخلود. وتغيب صورة العاشق المتيم، المصرى ابن البلد، صاحب النكتة اللاذعة، الذى يغمر بالرأفة والحب كل ما حوله. زامله فى عصره عباس العقاد...

... وكان مختلفاً تماماً. ذات يوم غضب العقاد حين حكى لأحدهم نكتة فلم يضحك! فصاح فيه: «ما بتضحكش ليه على نكتى؟ أنا نكتى أحسن نكت فى البلد!». كان العقاد يعتبر أن كل ما يقوله صواب وكل نكاته مضحكة! أما طه حسين فكان يقترح ما يفكر فيه وما يمزح بشأنه. لهذا تثير شخصيته محبة غامرة فى النفس حتى لو لم يكن المفكر الذى قهر الظلام أمام عينيه وعينى الوطن. تحل ذكرى ميلاد طه حسين،أو «طاها حسين» كما كان يحب أن يكتب اسمه، المئة والسادسة والعشرون فى 15 نوفمبر، وسوف يتحدث الكثيرون عن دوره أديباً وعالماً بل وثائراً. لكنى أود هنا أن أقدم الجانب الآخر الذى يتضح من كتاب «معك» الذى كتبته زوجته الفرنسية سوزان وترجمه بدر الدين عرودكى. تحكى زوجته أنه كان يتردد على طه شاب من أنصار رئيس الوزراء ثروت باشا وكان يبالغ فى إظهار محبته للباشا، فقال عنه طه لزوجته: «أظن أنه لو أحب هذا الشاب امرأة كما يحب ثروت باشا لكانت أسعد امرأة فى العالم»! تحكى أيضاً أن ابنتهما وضعت طفلة فى أحد مستشفيات الإسكندرية فذهب طه لزيارتها ووجد أن الأطفال المولودين كلهم يبكون ويصرخون فى الغرف المجاورة إلا حفيدته كانت ساكتة فقال لأمها ساخراً: «هذه البنت لا تبكى؟! ماذا سيقول الناس عنا؟! فى علاقته بسوزان زوجته كان طه حسين عاشقاً اتقدت روحه بالغرام حتى النهاية. كتب يقول لها: «تعالى إلى ذراعى، وضعى رأسك على كتفى، ودعى قلبك يصغى إلى قلبى»، وكان حينذاك قد تجاوز الخامسة والستين! تقول سوزان إنه كان لديها صندوق لأدوات الزينة تأخذه معها فى الرحلات وأن طه: «كان يحمله بعناية وبفخر رقيق حنون»! ترصد زوجته تواضع طه حسين حين تخاطبه بقولها: «أكنت تعرف ماالذى كنت أعانيه عندما تحمل لى واحداً من كتبك صدر أخيرا؟ إن ماكان يقلقنى ولايزال هو الحركة التى كنت تمد لى بها يدك بالكتاب، حركة مرتبكة تقريباً، كما لو أنك تعتذر، كما لو أنك كنت تقدم لى شيئا ضئيلا فى حين كنت تمنحنى أفضل ما لديك». ولا بأس هنا من استحضار ومضة من فكره الإنسانى، فنجده يقول فى لقاء: « لاوجود فى نظر الله لشرق أو غرب، ولا لجنوب أو شمال، وعندما يمنح الله العدالة للناس فإنه لا يمنحها للمسيحيين فقط أو المسلمين فقط وإنما لجميع الناس».وعلى امتداد حياته وعمله ظلت هموم الفقراء شاغله الأول والأخير. يحكى محمد الزيات «زوج ابنة طه حسين لاحقاً» أنه تقدم بطلب منحة دراسية ودهش من إعطاء المنحة لطالب آخر، فسأل طه حسين عن السبب فقال له: «لأنه أفقر منك»! وليس مستغرباً أن تناجيه زوجته بعد رحيله قائلة: «أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا مغلقين ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة». محبة غامرة لك فى عيد ميلادك، يا صاحب الابتسامة الباسلة الرائعة.