رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية الأقباط.. وحزب النور


جاءت هبة ٢٥ يناير وأسقطت مبارك، تشرذمت وتفتت القوة السياسية ولغياب التنظيم الثورى استطاع الإخوان استغلال هذا الواقع إضافة إلى رفع الشعارات الدينية والمتاجرة بتطبيق الشريعة وإقامة حكم الله، فاختطفت الهبة وسيطرت على السلطتين التشريعية والتنفيذية ورئاسة الجمهورية، لم ير المصريون لا تطبيقاً لشريعة ولا حكماً لله، بل حكم جماعة تريد أخونة الدولة وسحقهويتها المصرية والتاريخية وتحويل مصر إلى ولاية تابعة إلى ما يسمى بـ«الخلافة الإسلامية»، هنا انتفض الشعب المصرى مرة أخرى وأسقط الإخوان وفى كلتا الهبتين كانت قواتنا المسلحة الوطنية الأداة المادية لاستعادة مصر من مبارك ومن جماعة الإخوان.

وفى ٣ يوليو ٢٠١٣ اجتمعت القوى السياسية وكان معها مندوب عن حزب «النور» الذى كان جل أعضائه فى رابعة العدوية حسب إعلانهم ذلك فى ميدان رابعة، ولكنها البراجماتية النفعية والتقية التى لا يعرف حزب النور غيرها، إضافة إلى تلك الظروف الموضوعية التى جعلت القيادة فى ذلك الوقت تتشوف وجود حزب مثل حزب النور حضور هذا الاجتماع خاصة بعد غياب جميع الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها حزب «الحرية والعدالة» وذلك حتى لا تتهم الهبة بأنها ضد التوجه الإسلامى بل حتى لا تتهم بأنها ضد الإسلام نفسه.

هنا كان طبيعياً أن يستجيب الدستور لما حدث من جماعة الإخوان فى عام حكمهم فكانت المادة «٧٤» لا تجيز أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، ولكن للأسباب نفسها السابقة لا يريد النظام أن تقوم لجنة الأحزاب بالتقدم للمحكمة الإدارية العليا بحل النور خاصة أن قانون الأحزاب ٧٧ لسنة ١٩٧٨ يعطى هذا الحق لهذه اللجنة فقط، فهل حزب النور حزب سياسى أم حزب دينى؟! المهم هنا هو ليس برنامج الحزب، حيث إن جميع برامج الأحزاب متشابهة ولكن العبرة هنا فى الممارسة العملية للحزب على أرض الواقع.

فكلمة المنع على أساس دينى تعنى عدم إقصاء أهل دين عن عضوية الحزب وعدم اقتصار العضوية على أبناء دين واحد، هنا نجد أن الحزب والدعوة السلفية وهى المرجعية الدينية وهى الأب الروحى للنور إضافة إلى مفتى الحزب والدعوة ياسر برهامى لا هم لهم غير تسفيه الأقباط واعتبارهم كفرة وزناديق عليهم بدفع الجزية وهم «مدلدلين ودانهم» فهم لا يحق لهم لا الولاية الكبرى ولا الصغرى، ولا يجب التعامل معهم ولا المعايدة عليهم ولا حتى السلام عليهم حتى لا يظهر لهم أحد الاحترام، ولا يحق لهم بناء كنائس ولا ترميمها ومثل هذا الكثير والكثير، وهذا ببساطة شديدة لا يعتبر إقصاء فقط بل هذا ضد الدستور بجمله وضد الإنسانية كافة ولا نقول ضد المواطنة بل ضد أى مجتمع إنسانى عرف بصيصاً من تقدم وإنسانية وتحضر فلا نعرف الفرق بين تلك النظرة للأقباط حزب النور وبين مجتمع السادة والعبيد؟!

نعم من حق أى أحد أن يفكر كما يريد وأن يؤمن كيفما يشاء فهذا حقه ولكن هنا فرق شديد جداً بين أن تفكر فيما تريد وأن تترجم هذه الأفكار الإقصائية وهذه العقائد الرافضة للآخر للسياسات على أرض الواقع، والأخطر أن تتحول هذه الأفكار إلى حزب سياسى يسعى إلى الحصول على الأغلبية فى البرلمان ليشكل حكومة تطبق هذه الأفكار العنصرية وغير الإنسانية، ومن هنا كان من الطبيعى أن يمنع الدستور مثل هذه الأحزاب الإقصائية، ولكن لما وجدنا هناك هجمة ضد النور والمطالبة بحله على أساس الدستور، أخذ الحزب يراوغ ويداور ويناور بل يكذب ويقول إنه حزب مدنى بمرجعية دينية والدليل أنه لديه مرشحون أقباط على قوائمه.

والحكاية هنا أن قانون الانتخابات أقر نظام القوائم التى تضمن مقاعد لفئات مستثناة منها الأقباط، فأصبح حتماً على من يتقدم بهذه القوائم أن يضع أقباطاً «مكره آخاك لا بطل».

وهذا ما فعله النور وحينها عند ترشيحات مارس ٢٠١٥ اعترض شباب ومتطرفو الحزب على ترشيح أقباط فكان الرد أن هذا الترشيح ليس تغييراً فى فتوى شرعية، والرأى الشرعى قائم ولا ولاية ولا ترشح للأقباط ولكنها الضرورات تبيح المحظورات ودرء المفاسد خير من جلب المصالح، بل بعد الهجمة بحل الحزب خرجت جميع القيادات فى النور تؤكد وجود أقباط بما يعنى أنه ليس حزباً دينياً كما حدد الدستور، ولكن لأنه لا يوجد للكذب رجلان وجدنا مخيون يدلى بتصريح لوكالة ألمانية بأنهم اضطروا اضطراراً لترشيح أقباط مسايرة للقانون.

وهذا يعنى اعترافاً صريحاً أن الحزب دينى إقصائى فوجود أقباط لا يمثل أى دليل على مدنية الحزب وعدم دينيته بل ترشح الأقباط فهذا موقف نفعى حتى يتقدم الحزب بالقوائم التى تشمل مائة وعشرين مقعداً أى لمصلحته وليس لقناعة أو إيمان بمشاركة الأقباط، ناهيك عن أن هناك فرقاً بين عضوية الحزب الذى تؤمن ببرنامجه واستجلاب أشخاص أياً كانت مواصفاتهم لوضعهم على القوائم للتمرير، فلا يعقل أن يكون هناك شخص سوى وطبيعى يرشح نفسه مع حزب يرفضه ويقصيه ويسقط عنه أى حق إنسانى قبل الحقوق السياسية، فهذا حزب انتهازى وهؤلاء مرشحون لا علاقة لهم لا بسياسة ولا بمسيحية. حفظ الله مصر وشعبها العظيم من النفاق والمنافقين.