رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعميد الوحدة الوطنية فى حرب أكتوبر


لم تكن حرب أكتوبر انتصاراً عسكرياً فقط، ولا انتصاراً فحسب للإرادة الشعبية ضد الكيان الصهيونى عدوها التاريخى، بل وكانت أيضاً انتصاراً جديداً للوحدة الوطنية بين أقباط مصر ومسلميها، فقد عمدت الحرب الوحدة بالدم والبسالة وعبقرية افتداء الوطن الذى خاطبه أحمد شوقى فى قصيدة « بعد المنفى» قائلاً: « ولو أنى دُعيت لكنتَ دينى.. عليه أقابل الحتم المجابا.. أديرُ إليك قبل البيت وجهى.. إذا فهتُ الشهادة والمتابا»، الوطن الذى تغنى بوحدته سيد درويش وبديع خيرى: «اللى الأوطان بتجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم». الوطن الغالى الذى لم يميز بين جرح وجرح، بين الشهقة الأخيرة لمقاتل وشهقة مقاتل آخر بجواره. وفى قائمة شهداء حرب أكتوبر وهى قائمة طويلة ستجد أسماء أخوتنا الأقباط تلازم أسماء المسلمين. خلال حرب أكتوبر 73 وقفت فلاحة مصرية لم يسجل التاريخ اسمها بجوار كوبرى صغير فى قرية جنيفة على الطريق بين الإسماعيلية والسويس تتابع الطائرات الإسرائيلية فى السماء والجرحى من جنودنا وزملاؤهم ينقلونهم من الميدان إلى أسفل الكوبرى. وفى مواجهة الدم المتدفق أخذت المرأة كلما أقبل الجنود بجريح تمزق قطعة من جلبابها وتضمد بها جرحه لوقف النزيف إلى أن يصل المسعفون، جندياً بعد جندى، وقطعة من الجلباب بعد قطعة، وحينما لم يبق شىء فى الجلباب مزقت آخر ما يستر بدنها تضمد به الجراح هاتفة «الله أكبر»! وحدها من دون اسم، عارية تحت السماء الحمراء من وهج القصف، تلثم دماء المقاتلين، هذه كانت مصر التى لم تميز بين مسيحى ومسلم، ولا ذراع مبتورة وصدر مثقوب. مصر وهى تدافع عن نفسها ضد الكيان الصهيونى الذى انقضت على معاهدة السلام معه 45 سنة، لم تتخل فيها إسرائيل عن طابعها العدوانى، فشنت – فى سنوات السلام – ثمانى حروب على العرب: ثلاث حروب ضد الفلسطينيين «قمع انتفاضة 1987 – وقمع انتفاضة عام 2000 – ومحرقة غزة فى 2009 » وحربان على لبنان «عام 1982 – وعام 2006» ، وشاركت فى ضرب العراق وشاركت فى تدريب القوات الأمريكية على حرب المدن عند غزو بغداد، وشنت غارتين على السودان، من دون أن تتخلى عن شبر من الجولان السورية، ولا عن مزارع شبعا اللبنانية، كما أنها لم تمنح الفلسطينيين شيئاً أى شىء سوى المزيد من التهامها أرضهم وتهويد مدنهم وغرز المستوطنات والغزاة البرابرة فيها. وإذا كانت إسرائيل فى ظل معاهدة السلام قد شنت علينا كل تلك الحروب فما الذى تستعد لأن تفعله بنا فى حالة الحرب؟. وبينما أثمر التصدى للعدوان الثلاثى العديد من الأعمال الأدبية مثل رواية يوسف إدريس «لا وقت للحب»، علاوة على ديوان ضخم متنوع من الشعر، وعدد من الأفلام، فإن بطولات حرب أكتوبر لأنها كانت بالأساس حرباً نظامية لم تسجل بعد، ولا تم تدوين عشرات القصص عن أبطال تلك الحرب من جنود وضباط، ولا أدرجت قصص الشجاعة الخارقة فى المناهج الدراسية، ولا تم إلقاء الضوء بما يكفى على أن الحرب عمدت الوحدة الوطنية بالجسارة التى تصدت للقاعدة الصهيونية العسكرية، وبالبطولة التى وقفت عارية تحت الجسر تلثم جراح أبنائها هاتفة «الله أكبر».