رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون حائرون يتساءلون: من يكون وزيرها؟ من يكون؟


بعد أن استقالت حكومة محلب «مشكورة غاية الشكر» بدأ المثقفون يتساءلون: «ومن سيكون وزير الثقافة الجديد؟». وفى كل مرة يثار فيها هذا السؤال أشعر بضعف الحركة الثقافية التى عادة لا تسأل عن برنامج لدى وزارة الثقافة القادمة، أو معالم سياستها الثقافية...

... ناهيك عن أن تطرح الحركة برنامجها وتقدمه بل وتلزم به الوزارة. للأسف يدور الحديث دائماً حول الوزير وليس الثقافة وحاضرها ومستقبلها! وكما كانت القصة كلها «خلع مبارك» واستبقاء نطامه فإن القصة هنا هى شخص الوزير وبقاء الثقافة على حالها!. وقد سألنى زميل صحفى لتحقيق يجريه عما أنشده من الوزير الجديد فقلت له بالنص: «لا أنشد شيئاً منه، ولا أعقد أملاً على شىء، المسئولون يعرفون ما المطلوب من كثرة ماكتبنا فى ذلك، فليبدأ الوزير الجديد أولاً بفعل شىء أى شىء لكى أثق به ولكى لا أشعر أن كلماتى طعام للريح». ولكنى هنا – لأننى أخاطب القارئ وليس المسئولين- أكرر توضيح ما أراه مطلوباً فى هذا الشأن أن يعقد مؤتمر للمثقفين يحددون فيه الخطوط العامة للسياسة الثقافية، وفلسفة ثقافتنا، وطابع الثقافة التى نريدها، والحلول المقترحة للمشكلات المحددة على صعيد المسرح والسينما والنشر وأن يتقدم المؤتمر بترشيح ثلاثة أشخاص تعرض أسماؤهم على الحكومة لتختار من بينهم الوزير.

أن تكون ميزانية وزارة الثقافة شفافة أمام الجميع، لكى لا يتم إنفاق ثلاثة أرباع الميزانية على مهرجانات سخيفة، ومكافآت للمقربين. أن تكون توصيات مؤتمر المثقفين ملزمة للوزارة. لكننا – نحن المثقفين – فى كل مرة يثار فيها موضوع الوزير نعجز أو عجزنا عن تقديم ورقة عمل تعكس رؤيتنا لإنجازات الوزارة فى السنوات السابقة، وحاضر الثقافة، ومستقبلها. ما من مرة نجحنا فيها فى أن نجتمع ونناقش ونخرج برؤية مشتركة نعدها برنامجاً ملزماً ولو أدبياً للوزارة. لكن الأمل فى تحقيق ما أراه ضعيف، وقد أصبح أقصى رجائى الآن أن نصون الموجود لدينا ولا نبدده أو نهدمه أو نتركه للتآكل والسقوط! وأعنى بذلك على سبيل المثال لا الحصر البيت الذى ولد فيه سيد درويش فى كوم الدكة بالاسكندرية، وقد تحول إلى خرابة ترعى فيها الماعز بالمعنى المباشر للكلمة، وقد خاطبت شخصياً وزارة الثقافة عدة مرات لتتقدم وتشترى البيت من مالكه وتعده متحفاً، لكن من دون جدوى.

تكفى نظرة على متحف أحمد عرابى، زعيم الفلاحين بالشرقية لندرك أننا نهدم تاريخنا ولا نصونه. تكفى نظرة على بيت هدى شعراوى فى المنيا، وقد أوشك أن يمسى أنقاضاً. وتكفى أيضاً نظرة على البيوت التى ولد فيها عباقرة الفكر والفن فى الغرب والعناية التى تلقاها لكى تشعر بالحسرة على عباقرة مصر ومفكريها وثوارها. عندما تكرمت الدولة وقررت صنع تمثال لنجيب محفوظ عهدت بالمهمة إلى أحد رجال الدولة فأقام ذلك التمثال السخيف للكاتب العظيم، وحين رأى نجيب محفوظ التمثال حل عليه الذهول وقال ضاحكاً: «لابد أن هذا المثال الذى صنع التمثال لم يقرأ لى سوى رواية الشحاذ»! نعم نحن لا نصنع المستقبل، فلنحافظ على الماضى كحد أدنى.