رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"العاصمة الإدارية الجديدة" بين أزمة التمويل والتوقيت

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

العاصمة الإدارية الجديدة".. حلم راود المسئولين على فترات مختلفة.. يحمل آمالا وطموحات في تخفيف الضغط والتكدس السكاني عن قاهرة المعز، بجانب الحفاظ على تراث القاهرة والكتلة التاريخية، بعدما تحولت العاصمة إلى مقصد المواطنين من كل حدب وصوب.
وكعادته في الرغبة في إنجاز المشرعات دون الارتكان إلى الكسل، وظهر ذلك جليا في الانتهاء من مشروع قناة السويس خلال عام بدلا من 3 سنوات، كشف الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن رغبته في الانتهاء من مشروع العاصمة الجديدة خلال عامين، بدلا من 5 أو 7 سنوات كما أعلنت دار الهندسة.
ولم تظهر حتى الآن خطوط عريضة لتنفيذ المشروع على أرض الواقع، سوى تأكيد من قبل الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بأن المفاوضات مستمرة مع شركة إعمار الإماراتية، بغرض التوصل إلى اتفاق يقبل به الجانبان.
أرقام وإحصائيات يحملها مشروع "العاصمة الإدارية" والمتوقع الانتهاء منه في عام 2020، 2022، وفقا لما أعلنه وزير الإسكان، بأن المدة الزمنية المحددة للانتهاء من المشروع من 5 إلى 7 سنوات، بتكلفة 45 مليار دولار.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن محافظة القاهرة تستحوذ على النصيب الأكبر من إجمالي أعداد العاملين بالقطاع الحكومي للدولة، حيث تبلغ التقديرات الرسمية لأعداد العاملين بها حوالي 2 مليون و 632 ألفا و 770 عاملا من إجمالي 5 ملايين و549 ألفا و 320 عاملا بجميع محافظات الجمهورية، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ورأى خبراء التخطيط العمراني وهندسة الطرق في المشروع طوق نجاة مما تعاني منه العاصمة على مدار العقود الماضية، من تكدس مروري واختناقات في شوارع القاهرة الكبرى، معتبرين إنشاء العاصمة الجديد خطوة في طريق العمل جديا لتحقيق التنمية الشاملة في ظل أعداد السكان المتزايدة.
كما رد خبراء في العقارات على التخوف من أن يكون مصير العاصمة الجديدة هو مصير مثيلتها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والتي انتهت بالفشل بعدما امتنع موظفو الجهات الحكومية عن الانتقال إلى العاصمة الجديدة وكانت آنذاك في مدينة السادات؛ بسبب صعوبة الانتقال بينها وبين المدينة الأم.
وقال المهندس داكر عبد اللاه، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد، إن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن رغبته في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة خلال عامين يمكن تحقيقه بالانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع والبنية الأساسية لها من توصيل المياه وشبكات الصرف الصحي والطرق الرئيسية، والانتهاء أيضا من الجزء الإداري ونقل المؤسسات إلى مكانها الجديد طبقا للمخطط.
وأوضح أن الجزء الاستثماري لا يمكن تحقيقه خلال عامين، فهو يحتاج من 5 إلى 7 سنوات، حيث يحتاج التسويق مدة أطول، مضيفًا أن التمويل هو المشكلة الأولى التي تواجه مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
وأشار إلى أنه سيتم البدء في تفريغ القاهرة في فترة تتراوح من ٣ إلى ٥ سنوات، وسيتم البدء بنقل دواوين العموم للوزارات والتي ليس بها احتكاك مباشر مع المواطن، ثم نقل باقي المصالح الحكومية للمدينة، وفقا لما أعلنته وزارة الإسكان.
من جانبه قال وليد عبد الفتاح، المدير الإقليمي لشركة هيل انترناشيونال لإدارة المشروعات، إن ما يفرق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة عن مشروع السادات السابق، هو الموقع المقترح للعاصمة الجديدة، والذي يعتبر من أحد المواقع الجاذبة في القاهرة مما يعطى ضمانة أولية للإقبال على المشروع.
وأضاف أن المخطط العام الذي تم عرضه في مؤتمر شرم الشيخ بصفه مبدئية هو مخطط ديناميكي ويواكب التطورات العالمية للمدن الحديثة مما يمثل قيمة مضافة للمشروع.
وأوضح أن تأخر الإعلان عن أي خطوات فعلية لتنفيذ المشروع رغم مرور ما يقرب من 6 أشهر على المؤتمر الاقتصادي مارس الماضي، هو صعوبة التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والمطور الرئيسي على النواحي المالية و القانونية الخاصة بتنفيذ وتمويل المشروع، وذلك طبقا للمعلومات المتداولة.
وحول رغبة الرئيس في الانتهاء من مشروع العاصمة الإدارية خلال عامين بدلا من 5 سنوات، قال إن البرنامج الزمني المطروح لتنفيذ المشروع هو برنامج طموح بالمقارنة بالمشاريع المماثلة في مدن إقليمية مجاورة ويتطلب وجود تصميم وإشراف ومتابعة على أعلى مستوى من جهات نفذت مثل هذه المشروعات إقليميا وعالميا .
وأوضح أنه يمكن تنفيذ هذا المشروع على مراحل، لإعطاء مصداقية لقدرة المطور والدولة على تنفيذ مثل هذه المشروعات الضخمة بنفس مستوى الجودة في المشاريع المماثلة دوليا.
الخبير العقاري المهندس عبد الحميد جادو، شدد على أهمية العمل على استكمال مشروع العاصمة الإدارية في إطار رؤية ابتكارية وإدارة جيدة استنادا إلى كل محددات العصر والتقنيات الحديثة، ووضع آلية مكمله موازية لإنشاء محاور للتنمية وأقاليم جديدة للصناعة والتعدين وكافة الموارد المتنوعة بمختلف محافظات الجمهورية، وذلك في إطار الرؤية المستقبلية لاستيعاب الأعداد الغفيرة للمواطنين التي تتضاعف كل 40 عاما.
وأضاف جادو أن فكرة العاصمة الإدارية سبق طرحها قبل 40 عامًا خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات لجعل القاهرة مدنية ثقافية وتراثية وتتحول إلى مقصد للعالم كله، مضيفا، الدول العريقة مثل مصر لابد ألا تكون الخطط لديها مرتبطة بأشخاص بعينهم تنقضي برحيلهم، وإنما تشمل كافة الجهات المعنية في ضوء الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة وكذلك كافة إمكانات التنمية لتترجم في النهاية في صورة خطة يتم تقييمها من حين لآخر.

وأشار إلى أن حديث الرئيس السيسي لضرورة إنجاز المشروع خلال فترة زمنية وجيزة يعد تحديًا كبيرًا يحتاج إلى إدارة جيدة ورؤية ابتكارية لتنفيذه على الوجه المطلوب، مشددا على أن المشروع لم يعد رفاهية وإنما بات أمرا ملحا في ظل ما تعاني منه العاصمة من اختناقات مرورية وتكدسات جعلت العاصمة وحدها تستأثر بـ 25% من سكان مصر وقت الظهيرة ما بين مقيم وزائر، وتحولت شوارعها إلى جراجات متنقلة".
وتابع" تعداد السكان في مصر سيصل إلى 180 مليون نسمة بحلول عام 2040 وهو ما ينذر بكارثة كبيرة إذا لم يتم التوسع في إنشاء الأقاليم التنموية بمختلف المحافظات لاستيعاب تلك الأعداد القادمة، بما يوفر الخدمات الأساسية اللازمة لهم من مسكن وتعليم وفرص عمل وغيرها بالتوازي مع مشروع العاصمة الإدارية".
واقترح "جادو" أن يتم استغلال مباني الوزارات والهيئات الحكومية التي سيتم نقل موظفيها إلى العاصمة الجديدة كمراكز بحثية لكل وزارة وتتحول إلى مقار مخصصة لأداء الأنشطة المكملة لعمل تلك الوزارات لرسم سياساتها، موضحا أن كل وزارة لها شقان في عملها أحدهما خدمي و آخر يتعلق برسم السياسات ليس به احتكاك بالجمهور، ففيما يتعلق بالشق الخدمي يجب أن يتم التوسع في أن يكون لكل وزارة ممثل عنها في جميع محافظات الجمهورية.
ونوه إلى ضرورة الاحتذاء بتجارب الدول المختلفة في هذا الصدد وعلى رأسهم دولة سنغافورة والتي يبلغ تعداد سكانها 4 ملايين وصل جملة دخلها من التصدير 300 مليار دولار، وغيرها من دول جنوب شرق أسيا التي اعتمدت على البحث العلمي والقيمة المضافة، رغم أننا في مصر لدينا ميزة نسبية تتمثل في أن 59% من السكان ينتمون لفئة الشباب.


الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ النقل وهندسة المرور بجامعة الأزهر، أكد أن مشروع إنشاء العاصمة الجديدة جزء من حل مشكلة المرور في القاهرة الكبرى، وهو الجزء المتعلق بالازدحام المروري عبر للاستفادة من الأراضي الخاصة بالأنشطة الحكومية في منطقة ميدان التحرير ووسط البلد، لكنه اعترض على اختيار مقر العاصمة الجديدة على طريق "السويس - القاهرة"، قائلًا إنه قرار غير موفق، وكان يجب أن يبتعد بعض كيلومترات أكثر عن القاهرة.
وأوضح أن مشكلة المرور وشبكات الطرق في مصر من المشكلات الكبيرة التي تتطلب حزمة من الحلول في مقدمتها إمداد شبكات الطرق بالتجهيزات الهندسية الخاصة باللافتات والإضاءة والأرصفة ورفع الإشغالات وغيرها، ورفع درجة وعي المواطنين بالإرشادات المرورية وتصحيح السلوكيات غير المنضبطة من خلال طباعة مجلدات للأطفال في المدارس لنشر التوعية المرورية.
وأضاف من الضروري تخصيص مادة إعلامية لمخاطبة المواطنين في المنازل بالإرشادات التي ينبغي إتباعها ، بالإضافة إلى فرض قيود صارمة على استخراج رخصه القيادة وتشديد الرقابة على سائقي المركبات عبر إتباع منظومة النقاط بحيث يكون لكل مخالفة خصم عدد من النقاط بقيمة 15 نقطة في العام وتسحب الرخصة ويحرم قائد المركبة من القيادة لمده 6 أشهر في حالة تجاوز عدد النقاط المحددة.
وأشار إلى أن حوادث الطرق تودي سنويا بحياة 13 ألف مواطن بينهم22% من الطلبة و62 ألف مصاب، نتيجة العشوائية في المرور، لافتًا إلى أن سير سيارات النقل في ذات الطريق إلى جوار السيارات الملاكي كارثة تؤدي إلى وقوع الكثير من الحوادث لاسيما على الطرق السريعة ، ويمكن حلها ببساطة عبر تخصيص طرق للنقل وأخرى للملاكي، على غرار طريق العين السخنة، فضلا عن الاعتماد على الكمائن المتحركة لتعقب المخالفين للقانون ومتعاطي المخدرات والمنتهية رخصهم، بدلا من الكمائن الثابتة التي حفظ المواطنون أماكن تواجدها.

وأضاف مبروك أن هناك عددا من الحلول يمكن من خلالها تخفيف حدة الازدحام جنبا إلى جنب مع مشروع نقل العاصمة، من خلال كسر حدة الذروة الصباحية على 5 توقيتات بما يقلل أعداد المركبات إلى نصف مليون مركبة، بالإضافة إلى تطبيق منظومة العمل عن بعد خاصة بالنسبة للموظفين الذين لا يتطلب طبيعة عملهم الحضور بما سيخفض كثافة الازدحام بنسبة 25%.
بينما رأى الدكتور باسل أحمد، أستاذ مساعد بالمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، أن اختيار مقر العاصمة الجديدة في الامتداد الجغرافي للقاهرة قرار صائب وموفق تلاشى الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات السابقة من اختيار أماكن بعيدة عن القاهرة الكبرى صعب انتقال الموظفين إليها مثل مدينة السادات التي سبق طرحها كعاصمة إدارية ولكن التجربة فشل تطبيقها.
وأكد أن إنشاء العاصمة الجديدة وغيره من مشروعات التشييد سيستوعب عمالة كثيفة ويوفر فرص عمل هائلة للشباب وستؤدي حتمًا إلى خفض أسعار الوحدات السكنية نظرًا لانخفاض الطلب عليها والتوسع العمراني والجغرافي على الامتداد الجغرافي للقاهرة الكبرى.

وأضاف أن القرار سيساعد في إعادة تشكيل البنية التحتية من جديد بما يتواءم وطبيعة المرحلة الراهنة، مشيرًا إلى أن نقل وزارة الخارجية بكافة السفارات العربية والأجنبية إلى العاصمة الجديدة سيوفر مساحات كبيرة ويقلل بشكل كبير من حدة الازدحام، كما سيساهم نقل مجلسي الشعب والشورى خارج القاهرة الكبرى إلى تقليل الاختناقات بشوارع وسط البلد وميدان التحرير.

وحذر من أن يواجه نقل الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى خارج العاصمة عقبات قانونية ودستورية، مثلما حدث من قبل مع المحكمة الدستورية، وهو ما يتطلب إعادة توسيع حدود القاهرة الكبرى بحيث تشمل في تقسيمها العاصمة الإدارية الجديدة.

بينما انتقد الدكتور سامح العلايلي، عميد كلية التخطيط العمراني الأسبق بجامعة القاهرة، القرار واصفا إياه بغير الصائب، قائلًا: "نقل العاصمة الإدارية من القاهرة ليس قرارا صائبا فالقاهرة مدينة تاريخية ولابد أن تبقى العاصمة السياسية لمصر".
وتابع: "مساحة المدينة الجديدة تبلغ 700 كيلو متر بينما مساحة الجزء المعمور من القاهرة 600 كيلو متر وهي مساحة مبالغ فيها وستحمل الدول أعباء مادية كبيرة، كان من الأولى توجيهها لصالح مشروعات أخرى".

ولفت العلايلي إلى أن العاصمة الجديدة من الأفضل أن تقتصر على مراكز المال والأعمال ونقل الأنشطة المعيقة إلى خارج القاهرة الكبرى ، وتوجيه التكلفة المتبقية للمشروعات الأخرى ذات الأولوية والتي ستكون لها مردود إيجابي عاجل على المواطنين، مشددًا على ضرورة عرض الفكرة على الخبراء والمختصين لدراستها وطرحها للنقاش قبل اتخاذ قرار بالبدء العمل في تنفيذها.