رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مظفر النواب .. الشاعر المتمرد


راجت مؤخراً شائعات عن وفاة الشاعر العراقى الكبير «مظفر النواب»، ندعو الله أن تظل مجرد شائعات، ليس لها من فائدة إلا تجديد صورة شاعر متمرد قضى معظم حياته فى هجاء الأنظمة السياسية والاستبداد والكذب فأصبح علماً من أعلام الشعر السياسى الذى يضرب بجذوره بعيداً فى الشعر العربى. وقد التقيت الشاعر الكبير عدة مرات فى مؤتمرات أدبية، ومازلت أذكر أننى رحت فى المرة الأولى التى رأيته فيها أتفرس فيه لعلنى أتعرف خلف ملامحه على وجه الشاعر المتمرد حاد الكلمة والنبرة فى التعبير عن رؤيته. وقد بدأ النواب «مواليد بغداد عام 1934» يكتب الشعر وهو مازال تلميذاً فى المرحلة الإعدادية شجعه على ذلك أسرته الثرية المحبة للفنون والموسيقى والآداب. وفى سنوات الدراسة الجامعية انتسب النواب إلى اليسار العراقي، لكنه ظل يشكل داخل ذلك اليسار تياراً خاصاً تقدمياً قومياً يضع قضية فلسطين والوحدة موضعاً خاصاً فى قلبه وعقله. وفى عام 1958 أطاحت الثورة بالحكم الملكى وأصبح عبد الكريم قاسم أول رئيس جمهورى، لكن القوميين البعثيين بزعامة عبد السلام عارف تمكنوا من تنحيته وإعدامه ثم راحوا ينكلون باليساريين، وحاول مظفر النواب النجاة بنفسه بالهروب من العراق لكنهم أمسكوا به وأصدرت محكمة عسكرية بحقه حكماً بالإعدام تم تخفيفه إلى السجن المؤبد. وقام الشاعر فيما يشبه قصص الأفلام بحفر نفق من زنزانته إلى الخارج ونجح فعلاً فى الهروب والاختفاء داخل بغداد، حتى صدر عفو عن المعارضين عام 1969، فرحل إلى بيروت، ومن بعدها ظلت عواصم العالم العربية والأوروبية بيته وملاذه إلى أن استقر فى دمشق. ويعرف القارئ العربى اسم مظفر النواب مقترناً بواحدة من أشهر قصائده التى يفجر فيها غضبه فى وجه تخاذل الأنظمة العربية الرسمى بشأن فلسطين قائلاً: « القدس عروس عروبتكم.. فلماذا أدخلتم كل خنازير الأرض إلى حجرتها؟». وعلى امتداد حياته الشعرية الطويلة لم يسلم مظفر النواب لخصومه راية كفاحه واعتراضه وهجائه اللاذع الجارح المرير، وظلت قصائده تقاتل دفاعاً عن أفكاره ببسالة واستماتة، تذكر بأن المكان الوحيد للأدب هو خارج الحظيرة الرسمية. وفى هذا السياق تذكرنا حياة مظفر النواب وإبداعه بما قاله الروائى الإنجليزى دافيد لورانس من أن الكتاب ينبغى أن يكون: «إما قاطع طريق أو ثائرا أو رجلاً من العامة»! وبهذا المعنى يمكن القول إن شعر النواب يمثل قيمة ثائرة فى تاريخ الشعر السياسى العربى الذى كتب فيه أحمد شوقى قصيدته الرديئة الشهيرة مهاجماً زعيم الفلاحين أحمد عرابى بقوله «صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابى؟»، ومن بعده كتب حافظ إبراهيم الكثير من القصائد السياسية، مروراً ببيرم التونسى وحتى أمل دنقل. وعلى الساحة العربية عرف الشعر السياسى أسماء كبرى فى مقدمتها الجواهرى بالعراق وقصيدته العظيمة إلى أخيه جعفر، ثم نزار قبانى، ومحمود درويش، وأحمد مطر، بل وصلاح جاهين الذى أضفى على الشعر السياسى صبغة أخرى من أعذب ما تكون. سلامة الشاعر الكبير من الشائعات والمرض ودامت للشعر السياسى كل تلك الحرارة والحماسة فى الدفاع عن الفكرة. كاتب وأديب