رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطلاق .. والفكر الدينى المسيحى


وإقرار الزواج المدنى للجميع فمن يريد زواجاً كنسياً فله، ومن يريد زواجاً مدنياً فله أيضاً، خاصة أن الكنيسة تتعامل مع الزواج المدنى فى المهجر، فلنجدد فى فكرنا الدينى، حيث إن البابا شنودة بفكره هذا قد تخلف عن فكر الكنيسة طوال التاريخ.. والله أعلم.

إذا كان الدين هو الفكر الإلهى ممثلاً فى النص الدينى المقدس. فالفكر الدينى هو فكر وتفسير واجتهاد البشر لهذا النص المقدس. وإذا كان النص الدينى ثابتاً ويقبل الاجتهاد البشرى فهذا الاجتهاد يقبل الاختلاف بين فكر وفكر وبين تفسير وآخر.. ولذا فقد وجدنا على مر الزمان هذا التعدد ومارسنا ذاك الخلاف الشيء الذى أوجد ولا يزال ذلك التعدد فى المذاهب وذلك التباين بين الطوائف وتلك هى سنة الله فى خلقه وإرادة الله فى كونه.. وفى هذا السياق نجد أن هناك مشكلة تتصاعد ولا تخفت منذ أوائل سبعينيات القرن الماضى ومنذ مجيء البابا شنودة الثالث إلى سدة البابوية للكنيسة المصرية وهى مشكلة الطلاق والزواج الثانى عند المسيحيين.

فما القصة وما علاقتها بالفكر الدينى؟ وسر الزواج هو أحد أسرار الكنيسة السبعة والذى يتم على يد كاهن من خلال المراسم الدينية ثم أضيف إليه العقد المدنى الممثل فى وثيقة الزواج التى تسجل فى المحكمة لحفظ حقوق الوراثة وللأسرة.

وقضية الطلاق فى المسيحية ترتبط بالآية التى تقول «لا طلاق إلا لعلة الزنى»، وإذا سألنا فما الزنى فى رأى المسيحية نجد الآية «من نظر إلى امرأة واشتهاها فقد زنى بها فى قلبه»، هنا نجد أن مفهوم الزنى يخضع للجانب وللتعريف الروحى وليس الحرفى «الروح تحس أما الحرف يقتل».

وقد تم تقنين هذا فى قوانين وآراء واجتهادات أهمها قوانين أولاد العسال فى القرن الثانى عشر ثم كانت ما يسمى بلائحة ٣٨ التى صدرت عام ١٩٣٨ وتبيح الطلاق فى تسع حالات كان يعمل بها فى المحاكم الملية حتى ألغيت هذه المحاكم عام ١٩٥٥ عند توحيد المحاكم المدنية للمصريين جميعا فأصبحت حالات الطلاق ثمانى حالات، وظلت المحاكم تعمل بهذه اللائحة حتى الآن فهى القانون المعتمد، وعندما يحصل المواطن على الطلاق حسب لائحة ٣٨، ولكن عند التقدم للكنيسة للزواج الثانى ترفض حسب تفسير واجتهاد لأية «لا طلاقå إلا لعلة الزنى» وهنا تراكمت المشكلة وتصاعدت ومن الواضح أنها ستنفجر فى عهد البابا تواضروس الثانى مثل ما نرى الآن.. فالكنيسة طوال تاريخها تعتمد على قاعدة «الوقاية خير من العلاج». أى لا يجب أن نترك المشاكل المستعصية والعويصة والتى تجعل الحياة مستحيلة بين الزوجين حتى يحدث الشقاق والفرقة ثم يقع الزنى من أحد الطرفين أو كليهما ثم نفكر بعد ذلك فى الطلاق، ولذا كانت تلك الأسباب التى تؤدى للطلاق مبرراً له، حيث إنها لو تركت ستؤدى إلى وقوع الزنى، مثل الانفصال خمس سنوات أو السجن سبع سنوات أو المرض المعدى أو الاعتداء البدنى .. إلخ، وهنا فنحن أمام رأى واجتهاد وتفسير لنص دينى فى إطار روحى وليس حرفياً ظل طوال تاريخ الكنيسة أباح الطلاق، ثم نحن الآن أمام رأى يرى العكس بتفسير حرفى للنص وذلك لأن البابا شنودة كان لديه كتاب وهو أسقف «شريعة الزوجة الواحدة» وقد حصل الكتاب على رواج كبير فى ذلك الوقت حسب رؤيته الرهبانية التى لا علاقة لها بالزواج ومشاكله.

فهل كانت الكنيسة على خطأ طوال تاريخها وكانت لا تدرى بالتفسير الصحيح للنص حتى جاء البابا شنودة ليصحح للكنيسة رأيها طوال ألفى عام؟ وهل اجتهادات القدماء والمعاصرين له تدانى رؤيته لأنه كان بابا للكنيسة فله العصمة؟ وإذا كان موسى قد أعطى طلاقاً لقساوة القلوب.. فهل مشاكل الزواج غير قساوة قلوب؟ وإذا كانت نتائج هذه المشكلة إما الزنى أو تغيير الدين أو تخلص كل طرف من الآخر، فهل ترضى الكنيسة والمسيح على هذا؟ وهل السبت وجد من أجل الإنسان أم العكس؟ وكيف يشرع غير المتزوج للمتزوجين؟ الحل هو حماية الدولة لمواطنيها وتطبيق الدستور وإقرار الزواج المدنى للجميع فمن يريد زواجاً كنسياً فله، ومن يريد زواجاً مدنياً فله أيضاً، خاصة أن الكنيسة تتعامل مع الزواج المدنى فى المهجر، فلنجدد فى فكرنا الدينى، حيث إن البابا شنودة بفكره هذا قد تخلف عن فكر الكنيسة طوال التاريخ.. والله أعلم.

كاتب