رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى روح ثائرة


ضاعت أو كادت أن تضيع قصة على الغاياتى وديوانه الصغير «وطنيتى» الذى أدى ظهوره عام 1910 إلى الحكم بالسجن على الزعيم الوطنى محمد فريد، والشيخ عبدالعزيز جاويش ومؤلفه على الغاياتى. كان الديوان سبباً فى هجرة محمد فريد وعلى الغاياتى، هجرة طالت حتى توفى الزعيم الوطنى فى الخارج، أما الغاياتى فقد عاد لمصر بعد سبعة وعشرين عاماً قضى معظمها فى سويسرا! وعاش مغموراً بالنسيان ومات مغموراً عام 1956، ولد على الغاياتى فى دمياط عام 1885وتلقى تعليمه فى الأزهر. عمل فى الصحافة الوطنية المعادية للقصر والإنجليز، وفيها راح ينشر قصائده النارية هجوماً على المحتلين وأبواقهم. سجنته السلطات عام 1907 لتجرأه على انتقاد رجال الدين ووصفه لهم بأنهم «من ذوى الأفكار العتيقة البالية». انضم إلى الحزب الوطنى، لأنه كان حينذاك الأعلى صوتاً ضد الاحتلال والملك. طالب من دون توقف بالجلاء، والأخذ بالدستور، وإصلاح الحكم، والضرب على يد الفساد ونشر التعليم، وتغنت قصائده بقادة الوطنية المصرية حتى منحته الحركة الوطنية وسام الشعب الذى اكتتب المصريون بثمنه وقلدوه إياه عند خروجه من السجن. حين صدر قانون المطبوعات المقيد للحريات هاجمه بعنف،ولم يفلت الخديو عباس من ثورة الغاياتى حين أظهر ميله إلى الاحتلال. عام 1910 قام الرئيس الأمريكى السابق تيودور روزفلت بزيارة لمصر أشاد خلالها بالاحتلال البريطانى فهاجمه على الغاياتى بقوة. وعام 1910 قرر الغاياتى أن يجمع قصائده كلها فى ديوان واحد أطلق عليه اسم «وطنيتى»، لم تزد صفحات الديوان على 135 صفحة من القطع الصغير. ولم تتجاوز قصائده المائة. وبسبب الديوان أصدرت الحكومة أمراً باعتقال محمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش وعلى الغاياتي، وكان محمد فريد قد كتب مقدمة للديوان وأضاف الشيخ عبد العزيز كلمة إليها فأصبح الاثنان متهمين مع الشاعر بالتهمة نفسها: العداء للاحتلال والتحريض على الثورة. هكذا اختار محمد فريد، والغاياتى الهجرة فراراً من المحاكمة والسجن. وبسبب ذلك الديوان الصغير قامت الحكومة لأول مرة بتعديل القانون ليصبح النظر فى قضايا الصحافة والنشر من اختصاص محاكم الجنايات! ظل الغاياتى فى تركيا فترة ثم شد رحاله إلى سويسرا وعاش هناك على تدريس اللغة العربية. وبعد انقضاء عدة سنوات على الحكم عليه بالسجن حاول الغاياتى العودة إلى مصر، فاعتقلوه ثانية بتهمة أنه وصل إلى البلاد لتدبير الدسائس ضد الخديو، وقاموا بترحيله إلى الخارج. وعندما قامت ثورة 1919 راح الغاياتى يدافع عنها فى الخارج دفاعاً حاراً، فقطعت الصحف السويسرية العمل عنه. وعام 1937 رجع الغاياتى إلى مصر مع انضمامها لعصبة الأمم المتحدة. توفى الغاياتى مغموراً بالنسيان عام 1956وبقى ديوانه الذى يقول عنه فتحى رضوان «إنه بلا شك ديوان الوطنية المصرية فى الفترة ما بين سنة 1907 حتى سنة 1911».  تظل سيرة الشاعر وديوانه فى الضمير الثقافى والوطنى مثل وثبة روح ثائرة لا تخمد أشواقها للحرية.

■ كاتب وأديب