رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحلم بالأمس وليس الغد !


يتمنى الناس لو تحققت أحلام المستقبل، ونحن نتمنى لو تحققت أحلام الماضى! مازلنا نبتغى العدالة الاجتماعية، والاستقلال، والتصنيع، والتطور، والازدهار الثقافى، والحرية بأكمل معانيها، وكلها آمال قديمة بزغت منذ قرن مع ثورة 1919. الماضى وليس المستقبل كل ما ننشده ! فى عام 1929 أسس المفكر المستنير إسماعيل مظهر حزباً أسماه «حزب الفلاح»، وكان مظهر قد ترجم «أصل الأنواع» لداروين ونشره عام 1918، كما أنشأ المجمع العلمى المصرى مع سلامة موسى. اختار مظهر لحزبه أن «يضم فى صفوفه الفلاحين والعمال». وحدد حينذاك أهداف الحزب وبنظرة فاحصة على تلك الأهداف التى انقضى عليها مئة عام ستريك أنها أقصى ما نرجوه الآن! والأهداف التالية وهى بعض مما جاء فى برنامجه مأخوذة بنص كلماتها، اقرأها وفكر ما الذى حققناه منها؟ وماذا مازال فى طى أحلامنا منها؟ - المساواة بين المرأة والرجل فى الحقوق السياسية والاجتماعية- سنّ قوانين جمركية لحماية المنتجات الوطنية الأساسية من زراعية وصناعية وحث الشعب والحكومة على تفضيل المنتجات الوطنية- قيام الحكومة بإصلاح أراضيها البور وتوزيعها على صغار المزارعين- فرض ضرائب متدرجة على الدخل والميراث -حماية الأولاد بمنع تشغيل الذين دون الرابعة عشرة- القضاء على حركة التبذير السارية فى أكثر مرافق الحكومة- فرض ضرائب جمركية خاصة على الكماليات ومواد الزخرف والرفاهية- تحرير الطبقات العاملة فى مصر من عمال وفلاحين مع تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية- جعل التعليم مجانياً بجميع درجاته- نشر الثقافة ومحاربة الأمية وفتح مدارس ليلية للطبقات العاملة. وبعد انقضاء مائة عام على تلك الأحلام، سنجد أن حقوق المرأة لدينا مازالت منتقصة، أو مهدرة، وأننا نفتقد لسياسة جمركية تحمى المنتجات الوطنية، وأن أراضينا البور أكثر بما لايقاس بما يزرع، وأن استغلال الأطفال فى الأعمال الشاقة قائم على قدم وساق، أما عن تبذير الحكومة الذى طالب مظهر بوقفه فيكفى أن نذكر أن لدى حكومتنا الحالية شريحة كاملة من المستشارين الذين لا يفعلون شيئاً ويتقاضون سنوياً مليارات! وبينما خايل إسماعيل مظهر وزملاءه من رواد النهضة الحلم بتقليل الفوارق بين الطبقات فإن تلك الفوارق تصبح صارخة كما لم تكن من قبل! أخيرا يحدد مظهر هدفا سياسياً كبيراً لحزب «الفلاح» ألا وهو « استقلال مصر التام»، و أيضاً «التكاتف مع الأمم المستعبدة ولا سيما الأمم الشرقية والعربية على محاربة الاستعمار». لكن استقلالنا بعد مئة عام مازال مقيداً بمعاهدة كامب ديفيد التى حولت سيناء إلى أرض وقف لا نستطيع أن نحرك عليها جنودنا من دون موافقة الجانب الآخر. أما عن « التكاتف مع الأمم المستعبدة ولاسيما الشرقية والعربية» فإن أقصى ما يسعنا تقديمه للقضية الفلسطينية هو الدعم اللفظى «مع الإقرار بشرعية الاحتلال». قس على ذلك ما تحقق ومالم يتحقق إلى الآن من برنامج 1929 ! أحيانا تتأخر الأحلام زمناً طويلاً وأحياناً قرناً كاملاً، لكن قلما تسخر الأحلام بأصحابها، كما تسخر بنا أحلامنا. أليس استهزاء بأمنيات وكفاح شعب بأكمله أن يصدر الحكم بتبرئة الرئيس الأسبق مبارك من جريمة قتل نحو ألف شاب فى يناير 2011؟. خرجت يارا سلام مظاهرة فسُجنت ثلاث سنوات، أما مبارك فقتل مظاهرة كاملة وخرج براءة! يتطلع الناس إلى الأمام أما نحن فأحلامنا كلها فى الماضى! نحلم بالأمس وليس الغد!