بلطجة إسرائيلية فى لبنان
التوصيف القانونى، والواقعى، لما حدث هو انتهاك لسيادة دولة، وقتل عدد من مواطنيها والشروع فى قتل أكثر من ثلاثة آلاف، ولا نعتقد أن عاقلين قد يختلفان على إدانة «هذا العدوان الإسرائيلى الإجرامى، الذى يشكل خرقًا خطيرًا للسيادة اللبنانية وإجرامًا موصوفًا بكل المقاييس»، مجلس الوزراء اللبنانى، الذى قال، فى بيان، إنه بدأ، على الفور، القيام بكل الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية والأمم المتحدة، لوضعها أمام مسئولياتها، حيال هذا الإجرام المتمادى.
بدأت انفجارات أجهزة «بيجر» فى حوالى الساعة الثالثة والنصف عصر أمس الأول، الثلاثاء، بالتوقيت المحلى، الواحدة والنصف ظهرًا بتوقيت جرينتش، واستمرت حوالى ساعة. وخلال جولة فى مستشفيات بيروت، قال فراس الأبيض، وزير الصحة فى حكومة تسيير الأعمال اللبنانية، إن المستشفيات «أصبحت مليئة بالجرحى، سواءً فى غرف العمليات أو العناية الفائقة أو الأسرّة فى الغرف العادية والطوارئ».
بيجر، Pager، هو جهاز اتصال لاسلكى صغير، كان استخدامه شائعًا، لإرسال واستقبال إشعارات أو رسائل نصية قصيرة، قبل انتشار التليفونات المحمولة. وعن مسئولين أمريكيين، وآخرين، نقلت جريدة «نيويورك تايمز» أن الأجهزة، التى انفجرت، صنعتها شركة «جولد أبولو» التايوانية وقامت إسرائيل بتفخيخها قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات داخل كل منها. غير أن الشركة التايوانية نفت تصنيعها تلك الأجهزة، موضحة أنها من إنتاج شركة أخرى اسمها «بى إيه سى»، BAC، لديها ترخيص باستخدام علامتها التجارية، يقع مقرها فى العاصمة المجرية بودابست.
لمتابعة الموقف، أجرى الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، اتصالين تليفونيين، مساء الثلاثاء، مع نجيب ميقاتى، رئيس الحكومة اللبنانية، وعبدالله بوحبيب، وزير الخارجية، ونقل لكليهما توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتواصل السريع والإعراب عن دعم مصر الكامل للبلد الشقيق، وتأكيد حرصها على أمن واستقرار لبنان وعدم انتهاك سيادته من أى طرف خارجى. وجدّد وزير خارجيتنا التحذير من خطورة التصعيد والانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، مؤكدًا أن التطورات الخطيرة والمتسارعة فى جنوب لبنان تعد مؤشرًا واضحًا على أن المنطقة بصدد منعطف خطير جراء تصرفات أحادية غير مسئولة ومتهورة، ستلقى بظلالها على استقرار المنطقة بأسرها. كما أكد الأهمية البالغة لمنع التصعيد، موضحًا أن ذلك سيتحقق بالوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية فى الضفة الغربية.
اللافت، هو أن تفجيرات أجهزة «بيجر»، جاءت بعد ساعات على إعلان دولة الاحتلال عن توسيع أهداف عدوانها، المستمر منذ أحد عشر شهرًا، وبعد يوم واحد من تأكيد تقارير عبرية أن أورى جوردين، قائد المنطقة الشمالية فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، بدأ فى ممارسة «ضغوط»، لتنفيذ هجوم برى جنوبى لبنان، يهدف إلى إنشاء «منطقة عازلة». وهى التقارير، التى قوبلت بتحذير أمريكى نقله آموس هوكستين، مبعوث الولايات المتحدة إلى لبنان، خلال لقاء، الإثنين الماضى، مع مسئولين بارزين فى إسرائيل.
من هذا المنطلق، أكد ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن بلاده «لم تكن على علم مسبق، ولم يكن لها أى دور» فى التفجيرات، وقال إنها ما زالت فى «مرحلة جمع المعلومات»، رافضًا التعليق على اتهام إسرائيل بأنها تقف وراء تلك التفجيرات. ولعلك تعرف أن واشنطن تقوم، منذ أسابيع، بجهود دبلوماسية، مع أطراف دولية وإقليمية، لمنع الرد الإيرانى على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، فى طهران، الذى حمّلت إيران مسئوليته لإسرائيل وتوعدتها بدفع الثمن.
.. وتبقى الإشارة إلى أن تطورات المشهد الإقليمى، ناقشها الرئيس السيسى مع أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، أمس، مؤكدًا، أو مجددًا تأكيد، الرفض المصرى لمحاولات تصعيد الصراع وتوسيع نطاقه إقليميًا. كما جدد الرئيس، أيضًا، تأكيد حرص مصر على أمن لبنان واستقراره وسيادته، ودعمها للدولة الشقيقة فى مواجهة الهجوم الذى تعرضت له. وخلال اللقاء، الذى شارك فيه وزير الخارجية ورئيس المخابرات العامة، توافق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود المصرية الأمريكية المشتركة، للتهدئة وخفض التصعيد، على النحو الذى يضمن استعادة السلم والأمن الإقليميين.