زيارة تاريخية لتركيا
إلى العاصمة التركية أنقرة، توجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى، صباح أمس، الأربعاء، يرافقه وفد يضم وزراء ورجال أعمال، فى زيارة رسمية، هى الأولى على المستوى الرئاسى، منذ ١٢ سنة، تلبية لدعوة نظيره التركى، الذى كان قد زار مصر فى فبراير الماضى، منهيًا واحدة من أكثر الفترات توترًا فى تاريخ العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية، التى ستحلّ ذكراها المئوية فى السنة المقبلة.
تأسست الجمهورية التركية فى ٢٩ أكتوبر ١٩٢٣، وبعد سنتين تقريبًا، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا على مستوى القائم بالأعمال، قبل ترفيعها إلى مستوى السفراء سنة ١٩٤٨. و«تجمع بين الدولتين العريقتين علاقات تاريخية وشعبية متأصلة الجذور، كما تربطهما علاقات سياسية قوية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد الزعيم المؤسس مصطفى كمال أتاتورك»، بوصف الرئيس السيسى، الذى أعرب عن سعادته البالغة بزيارته الأولى للجمهورية التركية، ورأى أن هذه الزيارة، ومن قبلها زيارة الرئيس التركى للقاهرة، تعكسان الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين البلدين، استنادًا لدورهما المحورى فى محيطهما الإقليمى والدولى، وبما يلبى طموحات وتطلعات الشعبين الشقيقين.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قال ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، والأشهر، إن السياسة ليس فيها عدو دائم أو صديق دائم، بل هناك مصالح دائمة. وفى استجابة متأخرة، بل متأخرة جدًا، لهذه النصيحة، القديمة والقيِّمة، بدأ رئيس تركيا، خلال السنوات الأخيرة، يتحدث عن «العصر التركى الجديد» أكثر من حديثه عن «المئوية الثانية» فى عمر الجمهورية التركية، التى بدأت منذ سنتين. وبمنتهى الوضوح، قال إن سياسته الخارجية، فى المرحلة المقبلة، تستهدف إنشاء «حزام من الأمن والسلام فى الإقليم»، والشروع فى ترجمة ذلك عمليًا من خلال حراك سياسى ودبلوماسى إقليمى واسع.
من هذا المنطلق، بدأت جهود تطبيع العلاقات المصرية التركية، سنة ٢٠٢٠، وصولًا إلى رفع العلاقات الدبلوماسية لمستوى السفراء، وتعيين سفيرين، فى يوليو ٢٠٢٣، وبينهما جرت مصافحة شهيرة بين الرئيسين، فى ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٢، خلال حفل افتتاح كأس العالم الذى أقيم فى قطر، وفى فبراير التالى ضربت الزلازل تركيا وأرسلت مصر مساعدات إنسانية. ثم التقى الرئيسان، فى ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣، بالعاصمة الهندية نيودلهى، على هامش مشاركتهما بقمة «مجموعة العشرين»، وأكدا أهمية العمل من أجل دفع مسار العلاقات بين البلدين والبناء على التقدم الملموس فى سبيل استئناف مختلف آليات التعاون الثنائى، كما أعربا عن حرصهما على تعزيز التعاون الإقليمى، كنهج استراتيجى راسخ، فى إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والنوايا الصادقة، وبما يسهم فى صون أمن واستقرار المنطقة.
زيارة الرئيس التاريخية لتركيا، إذن، تمثل محطة جديدة فى مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وتؤسس لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك، سواء على المستوى الثنائى، أو على مستوى الإقليم، الذى يشهد تحديات كثيرة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين. وهذا ما عكسته مباحثات الرئيس المعمقة مع الرئيس التركى، ورئاسة الرئيسين للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين مصر وتركيا، الذى تناول سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية فى مختلف المجالات، إضافة إلى تبادل الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وإنهاء المأساة الإنسانية التى يعيشها سكان القطاع، وخفض التصعيد فى منطقة الشرق الأوسط.
.. وتبقى الإشارة إلى أن البلدين يستهدفان زيادة حجم التجارة بينهما من ١٠ مليارات دولار حاليًا إلى ١٥ مليار دولار، خلال المرحلة الأولى من خطة دعم العلاقات الثنائية. وإلى جانب توقيع حوالى ٢٠ اتفاقية ومذكرة تفاهم، شهد الرئيسان توقيعها، أمس، فى مجالات الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة، وغيرها، يجرى العمل على توطيد التعاون فى الطاقة المتجددة والغاز الطبيعى المسال، وإعادة تشغيل خدمات النقل البحرى بين مرسين والإسكندرية، وتوسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.