داعش ما زال حيًا!
القيادة المركزية الأمريكية، «سنتكوم»، أعلنت، أمس السبت، عن إصابة ٧ جنود أمريكيين، فى العراق، خلال غارة جوية مشتركة نفذتها مع قوات عراقية فى محافظة الأنبار، صباح الخميس الماضى، وأدت إلى مقتل ١٥ من عناصر تنظيم «داعش»، واختتمت «سنتكوم» بيانها بالتشديد على أن التنظيم يظل محل تهديد للمنطقة وللولايات المتحدة وحلفائها، كما أوضح الجيش العراقى، فى بيان آخر، أن الضربات الجوية استهدفت مخابئ التنظيم، وتم خلالها الاستيلاء على وثائق مهمة وأوراق هوية وأجهزة اتصال.
التنظيم الإرهابى، بحسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة، فى يناير الماضى، لا يزال لديه «ما بين ٣٠٠٠ و٥٠٠٠ مقاتل» فى العراق وسوريا، ثم نزل العدد إلى ٢٥٠٠ فقط، فى بيان أصدرته «سنتكوم»، فى ١٧ يوليو الماضى، حذَّرت فيه من أن التنظيم يحاول «إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض قدراته». وكان لافتًا أن ذلك البيان جاء بعد ساعات من تبنِّى «داعش» الهجوم الذى استهدف محيط مسجد بمنطقة الوادى الكبير بسلطنة عُمان. وأيضًا، قبل أيام قليلة من زيارة وفد عسكرى عراقى رفيع المستوى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لمواصلة المحادثات بشأن إنهاء مهام قوات التحالف الدولى، الذى تقوده الولايات المتحدة، فى الأراضى العراقية. وعليه، قرر العراق، منتصف أغسطس، إرجاء الإعلان عن إنهاء مهام قوات التحالف، بسبب «التطورات الأخيرة»، والوضع الإقليمى المتوتر!
التنظيم الإرهابى، كما لعلك تعرف، أو تتذكر، كان قد فرض سيطرته على مدينة الموصل، ثانى أكبر المدن العراقية، فى يونيو ٢٠١٤، ثم اجتاح مناطق واسعة فى سوريا والعراق، تعادل نصف مساحة المملكة المتحدة، وبعد معارك عنيفة، تمكن الجيش العراقى، أواخر سنة ٢٠١٧، بدعم من التحالف الدولى، الذى تقوده الولايات المتحدة، من سحق التنظيم واستعاد المدن والمناطق التى كان قد سيطر عليها.
مع ذلك، لا يزال التنظيم حيًا، وتبنَّى ١٥٣ هجومًا فى العراق وسوريا منذ بداية السنة الجارية. كما أعلن، منذ أسبوع، عن تبنّيه عملية الطعن التى وقعت فى مدينة زولينجن، غرب ألمانيا، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص، وزعم فى حسابه على تطبيق «تليجرام» أن «منفذ الهجوم على تجمع النصارى» جندى من داعش، وقام بتنفيذه «انتقامًا للمسلمين فى فلسطين وكل مكان». وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن أجهزة الأمن الفلسطينية كانت قد داهمت، فى أبريل الماضى، منزل أحد أعضاء خلية تابعة للتنظيم نفسه، وعثرت على قذائف هاون وبرميل بارود وسيارة مفخخة، كانت مُعدة لاستهداف مقار الأمن الفلسطينى فى الضفة الغربية. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك، أيضًا، أن إيران استقبلت السنة الجارية بتفجيرين فى مدينة كرمان، تبناهما التنظيم نفسه، بينما وجّه مسئولون إيرانيون كبار، من بينهم الرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى، أصابع الاتهام إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
بعد استعراض تفاصيل الانسحاب الأمريكى من العراق، حكى مايكل جوردون، محرر شئون الأمن القومى بجريدة «وول ستريت جورنال»، فى كتابه «تحجيم وتحطيم»، Degrade and Destroy، كيف استفاد «داعش» من الاضطرابات التى عاشتها سوريا، وبدأ يتوسع فيها، قبل أن يبدأ عملياته الواسعة فى العراق، وصولًا إلى ذلك المشهد الذى كان أثيل النجفى، محافظ الموصل قبل سقوطها، يتابع فيه، من ملجئه فى أربيل، إعلان أبوبكر البغدادى، فى ٤ يوليو ٢٠١٤، عن قيام «دولة الخلافة»، وفى يده ساعة «رولكس» كان النجفى قد تركها فى بيته بالموصل، قبل فراره. والأهم، هو أنك ستجد فى هذا الكتاب تفاصيل عن ضربات جوية إسرائيلية، استهدفت فصائل شيعية فى العراق وسوريا، مع إشارات واضحة إلى أن الإسرائيليين كانوا يخطرون قوات التحالف الدولى، أو يحصلون على الإذن الأمريكى، قبل تنفيذها.
.. وأخيرًا، يمكنك بسهولة استنتاج أن دور «داعش»، وغيره من الجماعات أو التنظيمات الإرهابية، أمريكية، أو بريطانية المنشأ والتوجيه والاستعمال، يتلخص فى إرباك دول المنطقة، وعرقلة جهود أو محاولات مواجهة أو تجاوز التحديات والأزمات، التى عاشتها، أو ما زالت تعيشها.