الأقصى.. اقتحام متكرر!
متطرفون، من بينهم وزيران وأعضاء فى الكنيست الإسرائيلى، ومستوطنون، اقتحموا باحات المسجد الأقصى، صباح أمس الثلاثاء، وقاموا برفع علم دولة الاحتلال، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، بالتزامن مع منع المصلين الفلسطينيين من دخول المسجد. وأظهرت مقاطع فيديو، نشرتها وسائل إعلام فلسطينية، أعدادًا ضخمة من هؤلاء المتطرفين وهم يرقصون ويؤدون طقوسًا استفزازية.
فى تأكيد قاطع على أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسئولية الكاملة عن هذه الممارسات، التى تستفز مشاعر الفلسطينيين وكل الشعوب العربية والإسلامية، قامت الشرطة الإسرائيلية، بدءًا من مساء الإثنين الماضى، بنشر عناصرها فى البلدة القديمة ومنطقة حائط البراق، لتأمين هؤلاء المتطرفين، الذين تزعمَّهم، وكان فى مقدمتهم، إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلى، الذى قام منذ توليه منصبه، أواخر ٢٠٢٢، باقتحام المسجد الأقصى، ست مرات، وليس بعيدًا، أو مستبعدًا، أن ينجح، فى المرة السابعة، فيما فشل فيه بن شوشان ويهودا اتزيون، اللذان حاولا تفجير المسجد وقبة الصخرة فى ثمانينيات القرن الماضى!
يتمسك الفلسطينيون، والعرب جميعًا، بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، استنادًا إلى الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، التى لا تعترف بالاحتلال الإسرائيلى للمدينة، سنة ١٩٦٧، ولا بضمها إليها فى ١٩٨١، غير أن دولة الاحتلال، لم تتوقف عن محاولات تهويد المدينة، وطمس هويتها العربية والإسلامية، وخلال السنوات العشر الأخيرة، زادت وتيرة الاستيطان فيها، وتزايدت الاعتداءات والحفريات التى استهدفت تدمير أساسات المسجد الأقصى أو كما تسميه «جبل الهيكل»، ونشطت الجماعات المتطرفة المعروفة باسم «جماعات الهيكل»، التى تحث الإسرائيليين على الوجود فى المسجد بشكل مكثف فى ذكرى ما تصفه بـ«خراب الهيكل»، لتوجيه رسالة إلى العالم عن أحقيتهم فيه. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن إدارة أوقاف القدس وشئون المسجد الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية الأردنية، هى الجهة القانونية الوحيدة المختصة بإدارة شئون الحرم القدسى.
كالعادة، أدانت مصر هذه الجريمة، وشدّدت، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، على أن هذه التصرفات غير المسئولة والمستفزة تمثل خرقًا للقانون الدولى والوضع التاريخى والقانونى القائم فى القدس الشريف ويعكس استمرار تكرارها ووتيرتها سياسة ممنهجة يتم تنفيذها على الأرض. ورأت أن ذلك يستدعى العمل على وقف مظاهرها بصورة فورية والالتزام بالحفاظ على الوضع القانونى القائم. كما أكدت مصر ضرورة اضطلاع المجتمع الدولى بدور فاعل فى مواجهة تلك الانتهاكات التى تهدف إلى تأجيج المشاعر وإفشال جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى قطاع غزة، مشددةً على التزامها بالسعى نحو التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية يضمن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية واسترداد كامل حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وغير القابلة للتصرف.
على نحو مماثل، حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية من التصعيد الإسرائيلى جراء «الاقتحامات الاستفزازية» لغلاة المستعمرين المتطرفين للمسجد الأقصى، وطالبت المجتمع الدولى بتحمل «مسئولياته القانونية والأخلاقية» تجاه معاناة الشعب الفلسطينى. وكنا قد أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن الوضع الكارثى الذى يعيشه قطاع غزة، منذ بداية العدوان الإسرائيلى الجارى، امتد ليشمل الضفة الغربية، وأوضحنا أن مجتمعات فلسطينية كاملة تم تهجيرها، إثر تصاعد عنف المستوطنين، وتوسع الحكومة الإسرائيلية فى أنشطتها الاستيطانية. كما سبق أن شدَّدت مصر، فى سياقات ومناسبات مختلفة، على ضرورة التزام المجتمع الدولى، وفقًا لمبادئ المسئولية الجماعية، بوقف انتهاكات دولة الاحتلال الممنهجة، لأحكام القانون الدولى، ورفض أى آثار، قد تنشأ عن ممارساتها غير القانونية فى الأرض المحتلة.
.. أخيرًا، وفى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، وعلى الأراضى الفلسطينية المحتلة إجمالًا، لا يبقى غير مطالبة المجتمع الدولى، مجددًا، باتخاذ موقف واضح وحازم، يجبر الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على الامتثال لمقررات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولى ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واحترام الوضع التاريخى والقانونى القائم للمقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس الشريف.