السنوار فى مأزق السياسى والمقاتل
قرار اختيار يحيى السنوار رئيسًا لحركة حماس هو القرار الأكثر وضوحًا فى تاريخ الحركة، ومنذ اغتيال إسماعيل هنية ذهبت بورصة أسماء المرشحين لخلافته فى قيادة الحركة ولم يكن من بينهم اسم السنوار، الحركة التى تدير مفاوضات صعبة لوقف إطلاق النار وفى ذات الوقت تدير معاركها بالسلاح على أرض غزة كانت تجيد لعبة توزيع الأدوار بشكل جيد، المفاوض السياسى ذو الملامح الهادئة يختلف كثيرًا عن القائد العسكرى المقيم فى أنفاق غزة، ولكن جاء اغتيال إسماعيل هنية بالصورة الدرامية التى حدثت فى إيران ليبدأ التفكير من خارج الصندوق، حيث ارتأت الحركة أنه لا يليق بـ نتنياهو إلا اسم يحيى السنوار ندًا بند ورأسًا برأس.
لذلك جاء إعلان اسم السنوار صادمًا لجميع المراقبين الذين تعاملوا طوال الحرب مع اسم السنوار باعتباره مقتولًا إن لم يكن اليوم فلابد وأن يكون القتل غدًا، وذلك تأسيسًا على التأكيدات الإسرائيلية التى تقول إن يحيى هو مهندس عملية السابع من أكتوبر ومعه محمد الضيف ومروان عيسى.
وبينما تحتفل إسرائيل باغتيال الضيف ومن بعده هنية كان لا بد للحركة أن تفسد تلك الاحتفالات باختيار اسم صادم للمجتمع الإسرائيلى وهو اسم يحيى السنوار، هذا الاختيار دفع المحللين لقراءة ما بين سطور قرار اختيار السنوار وما هى أهداف حماس من تحديد اسم يحيى السنوار ليكون على قمة القيادة وفى ذات الموقع الذى شغله المؤسس أحمد ياسين ومن بعده عبدالعزيز الرنتيسى وصولًا إلى إسماعيل هنية؟، القراءة الأولى لاختيار السنوار ترى أنها شفرة تفهمها إسرائيل، وهى أن الحركة ماضية فى طريقها نحو الحرب مهما كانت الخسائر، وبينما الحال هكذا نرى ضغطًا مصريًا أمريكيًا قطريًا يدعو لتنفيذ الهدنة وتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
هنا يفشل الرهان الحمساوى الذى رأى أن السنوار واجهة لن تنفذ الهدنة التى تعطى لإسرائيل أكثر ما يأخذ الجانب الفلسطينى، وأن تغييب إسماعيل هنية باغتياله لم يمثل فارقًا فى طريق الهدنة، بل يمكن اعتبار اختيار يحيى السنوار هدية على طبق من ذهب لإسرائيل، وذلك لسببين الأول هو أن إسرائيل يمكنها التسويق الإعلامى المضاد لحماس كحركة إرهابية من وجهة نظر إسرائيل لكون ممثلها لم تسلم يداه من الدماء، ونقول هدية لإسرائيل لأن الحقيقة هى أن السنوار هو صاحب القرار حتى فى زمن إسماعيل هنية، والآن صار الكلام فى المواجهة معه وليس بعد كلامه كلام آخر، وسوف تصمت مجموعة حماس المقيمة فى الخارج عن أى قرار يتخذه السنوار.
العناد الإسرائيلى يدفعها نحو استهلاك اسم يحيى السنوار سياسيًا، لأنه من المتوقع أن تتم صفقة التبادل وهو يشغل موقع رئيس الحركة، وفى ذلك سوف تتفجر جراح عديدة وأهمها جرح السؤال عن جدوى السابع من أكتوبر، وهذا ينقلنا إلى نقطة أخرى وهى بعد استهلاك السنوار سياسيًا هل سينجو بحياته من خلال ضمانات أمريكية؟، إذا حدث هذا فهى الفضيحة لأن حربًا استمرت ما يقرب من عام وتنتهى بصفقة الحفاظ على حياة شخص هى حرب تحتاج مراجعة، ولكن معرفتنا بـ العناد الإسرائيلى يجعلنا نتجه للسيناريو السهل، وهو موافقة السنوار على الهدنة ثم قتله.
وهنا تبدأ صفحة جديدة فى تاريخ حركة حماس، هل تتحول إلى حزب سياسى أم ستواصل الدمج بين العسكرى والسياسى؟.
المجازر الإسرائيلية اليومية وآخرها مجزرة مدرسة التابعين، التى راح ضحيتها أكثر من مئة فلسطينى، هذه المجازر تضع السنوار فى مأزق تاريخى، فهو المسئول الآن عن حماية شعب غزة سواء بالسياسة والتفاوض باعتباره الرجل السياسى الأول فى المنظمة، أو يحمى هذا الشعب المكلوم بالحرب، وهو أيضًا المسئول الأول فى إدارة هذه المعركة.. أيهما سوف يتغلب على الآخر.. السياسى أم المقاتل؟ هذا ما ستشهده الأيام المقبلة، ويزيد من تأكيد ذلك البيان الثلاثى الذى أصدرته مصر وأمريكا وقطر.