رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل لنا أن نحلم بسياسة ضريبية تحقق الربح للجميع؟

من مدينة العلمين الجديدة جاءت تصريحات للسيد وزير المالية تناولت الحديث عن حزمة متكاملة للمصالح الضريبية بين الدولة وكل من المواطن ومجتمع الأعمال. جاءت التصريحات خلال مؤتمر صحفى للوزير أحمد كجوك على هامش زيارة قام بها لمهرجان ومدينة العلمين الجديدة. ربما تكون تلك التصريحات مقتضبة وتحتاج مزيدًا من التفاصيل التى تجلى الأمر لعموم المصريين وخاصة لأولئك المتعاملين مع المنظومة الضريبية.
ورغم هذا إلا أننا التقطنا عبارة ذكرها السيد الوزير فى تصريحاته، إذ قال: إن إطلاق هذه الحزمة من الإجراءات الضريبية الجديدة هدفها عودة الثقة بين كل من المواطن ومجتمع الأعمال من جهة، وبين المصالح الضريبية من جهة ثانية. على كل حال هى أسابيع قليلة- حسبما ذكر الوزير كجوك- وتتضح معالم الأمر وإن كنت لا يساورنى أدنى شك من أنها ستكون إجراءات تحقق هدفًا مشتركًا لكلا الطرفين مصالح الضرائب من جهة، والمتعاملين معها من جهة ثانية. فالهدف النهائى للطرفين هو تأسيس شراكة حقيقية وتحقيق نوع من التكامل وتخفيف الأعباء. 
 قد يبدو هذا الكلام مثاليًا أكثر من اللازم، فقد صوّرت لنا أفلام السينما والأعمال الدرامية أن العلاقة بين الطرفين هى علاقة القط والفأر، وأن التعامل الدائم بين الضرائب والعميل كان يقوم على المراقبة والتتبع وينتهى بتصفية النشاط نظرًا لإغراق العميل فى الديون نتيجة حرص الحكومة على تحصيل الضرائب، والتى كانت تقدر جزافيًا دون مراعاة لظروف السوق وطبيعة النشاط والتعثرات التى قد تواجه العميل، ودون أدنى تقدير للدور المجتمعى الذى يقوم به رجل الأعمال من توفير فرص تشغيل وتخفيف عبء البطالة وآثارها الاجتماعية المدمرة لكل من المواطن والحكومة. وكانت تلك الأفلام تنتهى غالبًا بشلل رجل الأعمال أو وفاته، وتشرد أسرته وانحراف بناته أو إدمان أولاده نتيجة لما حاق بهم من جور ضريبى.
 وواقع الأمر بعيدًا عن تلك التراجيديات الكلاسيكية سينمائيًا، فإن عاقلًا لا يمكنه أن ينكر تلك المواقف الإنسانية التى تطوع بها أرباب الأعمال الوطنيين خلال السنوات القليلة الماضية التى عانى خلالها الاقتصاد الوطنى من تداعيات ظروف سياسية إقليمية، وأوضاع صحية عالمية أثرت جميعها بالسلب على هامش أرباح الجميع. ورغم ذلك حرص غالبية رجال الأعمال الوطنيين على عدم تسريح العمالة وسعوا للاستمرار حتى لو اضطروا للسحب من الأرصدة المدخرة لكيلا يتسببوا فى تدمير أسر العاملين معهم فى حال تسريحهم أو إيقاف النشاط. ومبلغ علمى أن الدولة قدّرت لرجال الأعمال- صغارًا وكبارًا- هذا الموقف الوطنى والإنسانى، على المستوى السياسى والضريبى كذلك. 
ملامح الاستراتيجية الجديدة للسياسة الضريبية ستتكشف حين يتم الإعلان عنها بعد أسابيع- كما ذكرت الأنباء- لكنها فى ظنى لن تخرج عن مراعاة الأعباء على المواطنين، كما أنها ستراعى توجهات الدولة لتحفيز القطاع الخاص، الذى أصبح هو الضلع الأكثر فاعلية فى الاقتصاد الوطنى، فضلًا عن أن تلك الاستراتيجية ينبغى أن تعمل على تعزيز تنافسية السوق المحلية، وحل أى معوقات تواجه المستثمرين وتذليل العقبات التى قد تمثل حجر عثرة فى سبيل زيادة الاستثمارات وتوفير مزيد من الفرص الحقيقية لتشغيل مزيد من العمالة الوطنية.
محور آخر على صناع السياسة الضريبية مراعاته بما يعكس شديد اهتمام القيادة السياسية به، هو جعل الاستثمار أكثر جاذبية للمستثمر الأجنبى. أجل، ففى عهد سعت الدولة خلاله بكل جدية للاهتمام بالبنية التحتية التى تجذب مزيدًا من الاستثمارات سواء على مستوى الطرق أو غيرها من المرافق كالكهرباء ومنظومة النقل وإنشاء مناطق استثمارية جديدة، لا يمكن أن تسمح الدولة فى المقابل بهدم كل ما أنجز إذا ما كانت هناك منظومة ضريبية غير واضحة المعالم هدفها فقط جمع المتحصلات دون مراعاة للطرف الأصيل فى المنظومة، وهو العميل الذى ينبغى أن تتحقق له المصلحة لكى يكون مطالبًا بتسديد مستحقاته تجاه الدولة طوعًا لا كرهًا كنوع من الشراكة المجتمعية بين الطرفين.
وعلى هذا فنحن فى انتظار ما ستعلنه علينا وزارة المالية قريبًا من ملامح استراتيجيتها الضريبية الجديدة، والتى ينبغى أن تراعى تيسير إجراءات فحص الملفات الضريبية وتخفيف الأعباء عن المستثمرين، بما ينتهى إلى ما يذكره رجال المال والأعمال بمصطلح الـwin -win situation  بينهم وبين الدولة، ذلك الذى نسعى أيضًا نحن المواطنين أن يتحقق، لينالنا من تلك المكاسب التى سيحققها كلا الطرفين.