جمال المرأة المقاتلة.. الملازم أول «ابتسامات»
يضغط الإنسان التاريخ ويختصره فى أسماء القادة، ولا يحتفظ فى ذاكرته بشىء عن آلاف الجنود الصغار، وقد بقيت فى ذاكرة الوطن أسماء مصرية لامعة شاركت فى حرب ١٩٤٨، لكن أحدًا لم يسمع عن السيدة ابتسامات عبدالله، أول امرأة مصرية تحصل على رتبة عسكرية «ملازم أول»، شاركت شابة فى حرب ٤٨، وعندما توفيت منذ أيام عن عمر ناهز ٩٧ عامًا نعتها القوات المسلحة فى بيان جاء فيه: «كان للفقيدة دور بطولى فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨، حيث حملت السلاح وشاركت فى عمليات تمريض مصابى العمليات أثناء الحرب بالمستشفى الميدانى الذى أعدته مصر داخل مدينة غزة». لم نسمع كثيرًا أو لم نسمع قط عن جمال المرأة المصرية المقاتلة فى حرب ١٩٤٨ التى شارك فيها نحو عشرة آلاف جندى مصرى. سمعنا عن اللواء أحمد على المواوى قائد المشاة، وعن اللواء أحمد فؤاد صادق الذى منحه الملك رتبة الباشوية لشجاعته فى صد الهجوم على قطاع غزة ورفح والعريش، سمعنا عن المشير أحمد بدوى الذى خاض حروب مصر كلها، حرب فلسطين والعدوان الثلاثى و٦٧ والاستنزاف وحرب أكتوبر، لكن لم يكن من بين الأسماء العظيمة اسم الملازم أول ابتسامات محمد عبدالله، التى مد الله فى عمرها حتى بلغت السابعة والتسعين. ولدت ابتسامات فى أسيوط عام ١٩٢٧، وكان والدها رجلًا عسكريًا برتبة بكباشى، والتحقت بالهلال الأحمر لتصبح ممرضة، وفى عام ١٩٤٧ قرأت بالمصادفة إعلانًا فى مجلة المصور يطلب فتيات متطوعات إلى الجيش، فقدمت طلبًا، وتم قبولها فى الجيش بعد مقابلة شخصية فى مستشفى كوبرى القبة العسكرى، ومع اشتعال حرب فلسطين تولت ابتسامات محمد عبدالله تمريض الجرحى والمصابين فى المعارك بمستشفى ميدانى أُقيم خصيصًا داخل أحد المنازل فى غزة. وصارت أول امرأة مصرية تحصل على رتبة «ملازم أول» فى تاريخ العسكرية المصرية. كان الأجدر بالقنوات التليفزيونية المتعددة أن تنقل لنا جانبًا من حياة تلك البطلة الجميلة، فنرى أين كانت تعيش، ومع مَن، وعما كانت تتحدث، وصورها القديمة فى الجيش، لنرفع بكل هذا نموذجًا ملهمًا لجمال المرأة المقاتلة وبطولتها. وليس الملازم أول ابتسامات محمد عبدالله إلا حلقة فى سلسلة من نور تمتد فى تاريخنا من نساء ثورة ١٩، من شفيقة محمد شهيدة مظاهرات ثورة ١٩، ونساء الثورة «صفية زغلول، وهدى شعراوى»، وكل النساء المصريات البطلات اللاتى نمت صدورهن بآمال الوطن وكرامته قبل أحلام الغرام والأطفال، النساء اللاتى صورت لطيفة الزيات نموذجًا منهن فى روايتها «الباب المفتوح»، حيث لا حرية للمرأة من دون حرية الوطن. تحية لروح الملازم أول ابتسامات، لبطولتها، وحياتها، وعطائها.