الدولة المصرية تدق أبواب إفريقيا
لا يمكن للمتابع أن يرى في الجولة الإفريقية التي بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسي أنها مجرد جولة بروتوكولية يلتقي خلالها الرئيس برؤساء تلك الدول؛ لمناقشة القضايا ذات الإهتمام المشترك حسب ما تعودنا في بيانات وزارات الخارجية، ولكن هذه الجولة أستطيع القول عنها وبالفم المليان إنها جولة الدولة المصرية نحو العمق الإفريقي وليست جولة السيد الرئيس وحده، الوفد المرافق للرئيس المصري وفد من الوزن الثقيل، حيث يرافقه رئيس جهاز المخابرات وكبار رجال الخارجية يتقدمهم المخضرم سامح شكري، لذلك لا بد أن يكون لهذه الجولة ما بعدها.
الدول الثلاث التي يزورها الرئيس هي أنجولا وزامبيا وموزمبيق وهي دول أساسية في الاتحاد الإفريقي، ذلك الإتحاد الذي أزعجنا بعد ثورة 30 يونيه وكان صداعًا لنا في الفترة الانتقالية، صحيح أن موقف الاتحاد الإفريقي من سد النهضة هو موقف باهت ولم نعول عليه كثيرًا، ولكن يمكن بمجموعة من التحركات مثل الجولة التي نشهدها أن تظهر له بركات في قضية السد.
صبر مصر الطويل في هذه القضية يحسب لها لا عليها، مصر التي علمت الدنيا البناء والحضارة لا يمكن أبدًا أن تكون معول هدم لأي خطة من خطط التنمية في القارة الإفريقية بما فيها سد النهضة وطموح الشعب الإثيوبي، التنمية العادلة التي تتقدم بالإنسان الإفريقي تختلف تماما عن التنمية الجائرة التي يخطط لها النظام الإثيوبي، لذلك تبذل مصر جهودها المكثفة في الحوار مع دول الجوار مسلحة بالحقائق والتاريخ، تأتي تلك الحوارات المكثفة لسببين الأول هو تشكيل جبهة ضغط لها القدرة على حل الأزمة دبلوماسيًا أما السبب الثاني من وجهة نظري، هو إذا اضطرت مصر للتصعيد في أي إتجاه تكون كل العواصم الإفريقية على علم كامل بتفاصيل هذا الملف المزعج وهو ما يعفينا حينها من توضيح الواضح.
السبب المعلن لجولة الدولة المصرية في العمق الإفريقي هو مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في أعمال قمة الكوميسا الثانية والعشرين في العاصمة الزامبية "لوساكا"، وفي هذه القمة ستقوم مصر بتسليم الرئاسة الدورية إلى زامبيا، وهي مناسبة تفتح المجال واسعًا للعلاقات بين البلدين سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية كما أسلفنا، في الاقتصاد يرى البعض أن زامبيا منجم مهم للنحاس الذي يدخل في صناعات مهمة، ومن الممكن لو أحسنت الدولة المصرية صنعا ومعها رجال الأعمال المصريين بالطبع أن تزاحم الفضاء الصيني المهيمن على خامات متنوعة من الخير الإفريقي، ولأننا تعلمنا في ألف باء سياسة مقولة رئيسية ثابتة وخالدة، مفادها أن الاقتصاد هو محرك التاريخ، لذلك ذهبت مصر إلى العمق الإفريقي وهي تضع نصب أعينها الميزان التجاري بينها وبين تلك الدول، وكلما نشط الاقتصاد اقترب التفاهم في السياسة.
وإذا كانت المصالح المباشرة لمصر في العمق الإفريقي تتجلى في البعد السياسي واستعادة الدور المصري التاريخي في إفريقيا وكذلك البعد الاقتصادي وفي القلب منه التبادل التجاري.. إلا أن الأجواء الإفريقية بشكل عام قد فرضت ضرورات التحرك المصري ولنا في الحرب الدائرة في السودان الآن شاهدًا على ذلك، الحروب في دول الجوار تنعكس على الجميع سلبا ورأينا ذلك في عمليات النزوح المتواصلة من السودان إلى مصر، ويبقى وقف إطلاق النار هناك هو الحل لاستقرار السودان وعودة الاستقرار لجيرانها ومن بينهم مصر ولن يتوقف إطلاق النار إلا بحزام إفريقي مثل ذلك الحزام الذي نراه الآن في جولة الدولة المصرية في العمق الإفريقي.
وتزيد على ذلك أن إفريقيا بشكل عام يتم تجهيزها؛ لتكون الملاذ الآمن لجماعات التطرف المتأسلم بعد أن ضاق عليها الخناق في سوريا والعراق وأماكن أخرى.
حتى أننا أصبحنا نقرأ بشكل دوري عن اختطاف قرى بأكملها بمعرفة جماعة بوكوحرام ونقرأ عن زيادة معدلات التشدد والتطرف سواء بإحراق كنائس أو إعتداء على سياح أجانب، كل هذه المؤشرات تحتاج إلى عين قاهرية يقظة تنقل خبراتها لجيرانها عن كيفية التصدي لمثل تلك الحالات الخطرة، وفي نقل تلك الخبرات تستفيد مصر من دفن الفتنة في محل ميلادها.