رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إحباطات دولية قادمة

تجربة كورونا كانت قاسية للغاية، ما يزال العالم يعاني آثارها، وفي الأفق كلام عن وباء جديد قريب، وحديث عن احتمالية انتكاسات صحية لمن سبق وأصيبوا بفيروس كورونا نفسه.. يقرأ الواحد كلاما هنا وهناك، يصدق ولا يصدق، لكنه يشعر بالإحباط طبعـًا، وقد يكون هذا الشعور نفسه مقصودًا ممن يفتحون الأبواب على مصارعيها لمثل هذه الأحاديث!
العالم لم يتعاف من ضربات كورونا الصاعقة المتتالية حتى الساعة.. لم يتعاف من الآثار الاقتصادية السلبية المهولة التي خلفها المرض الوبائي وراءه في العالم أجمع، ولا من الصدمة الاجتماعية التي تمثلت في العزلة بالذات، حتى الأقرباء كانوا في العزلة، بل أهل البيت الواحد كانوا في العزلة، ولا الآثار النفسية التي برزت، أكثر ما برزت، في الإحساس الدائم بالمواجهة المباشرة مع الموت.. 
عندما يبدأ الآن حديث عن وباء قادم، من نسل كورونا أو من غيره؛ فإن المخاوف كلها تعود مجددًا إلى الصدارة، المخاوف التي لم تذبل بعد لكنها خفتت إلى حد كبير، تعود والناس ما يزالون في المعاناة الأولى، تحرروا كثيرًا من القيود، لكنهم صاروا مسكونين بالخطر، كانوا يودون الاطمئنان، إلا أن أمانيهم ليست في الإمكان إلى اللحظة الراهنة، ولأننا كسائر الناس؛ فإننا لا نشعر بالأمان أيضًا، وربما كان شعورنا بالقلق مضاعفًا؛ لأن ظروفنا أشد تعقيدًا، نحاول أن نتخطى العقبات، وما أكثرها، فنصطدم إما بالأعداء المتربصين وإما بالأخبار السيئة التي في الطريق، وليس أكبر سوءًا من خبر فناء محتمل!
العالم أصلًا صار مليئًا بالصراعات، في كل منطقة صراع رهيب، وما لم يكن الصراع واضحًا فإنه مفهوم، وما لم يكن يخص الأرض والحدود فإنه يخص الماء والكلأ.. زاد الطين بلة حصول الصراع الروسي الأوكراني؛ فهو صراع يهدد بحرب نووية شاملة، وزاده بلة أن كل صراع على حدته، يوجد حوله مستغلون ومهربون وخائنون وتجار أسلحة ومرتزقة ومشعلو فتن ومتطرفون، كلما نجح المنادون بالسلام في تهدئة الموقف، أشعله بعض هؤلاء، وهذه لعبتهم الأثيرة..
لماذا بدوت متشككًا، من البداية، في قصدية الإحباط؟ لأننا لم نعرف حقيقة الوباء الأول لنعرف حقيقة الثاني الذي بدأت حملة الترويج له فيما يبدو، ولأنهم الآن لا يمنحون الأمصال التي منحوها أهمية قصوى في وقت سابق أية أهمية تذكر، بل يشيرون، بوضوح، إلى أنها مرحلة ومرت، لا يشترط أن تترتب عليها حماية دائمة (أي كأن لم تكن)، ولأنهم، في أثناء الوباء الأول، أظهروا تخبطًا هائلًا وتضاربًا في المعلومات، من الواضح أنهم مصرون على الاستمرار في نفس الطريق المريب.. هذا بجانب إحساسنا الشخصي أننا مستهدفون، بعيدًا عن نظرية المؤامرة أو بمحاذاتها للأمانة؛ فكيف لا نتصور استهدافًا، وثرواتنا مرغوبة باستمرار، والسلاح الغامض الفتاك مصوب باتجاهنا ضمنيًا، لكننا دون مقاومته كمخترعيه؟!