رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تحقق المعادلة الصعبة

قفز مؤشر التنمية البشرية في مصر بواقع تسعة عشر مرتبة، وفقًا لتقرير التنمية البشرية العالمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2021 : 2022.. لذا، لا يمكن للمرء إلا أن يفهم الانتقادات الموجهة لمشاريع البنية التحتية في مصر، في ظل التوترات الاجتماعية والسياسية التي تعرفها مصر وجميع دول العالم، تلك الانتقادات التي تتعمد تقويض فوائد هذه المشاريع على حياة المواطنين المصريين وأجيالهم القادمة.
قد يقول البعض إن الاقتصاد المصري يمر بوقت عصيب بسبب تبعات جائحة كورونا، وتذبذب أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، وتراكم المديونية.. وبالتالي، يجب أن تذهب الأموال لسداد ديون البلاد بدلًا من ذلك.. هذا الوصف منفصل تمامًا عن الواقع على الأرض.. وعلى هذا البعض أن يدرك أن مشاريع البنية التحتية التي تسعى إليها الدولة المصرية هي مكسب ممتاز لمصر وشعبها، مهما كانت مصادر تمويلها.. ما تبنيه مصر اليوم من طرق وجسور وسكك حديدية ومدن نموذجية هو استثمار سيعود بالنفع عليها.. ولن يدقق التاريخ في من وكيف تم تمويل هذه المشاريع؟.
لكن، سوف يتذكرها كإنجازات بارزة.. لا ينبغي أن يصبح عذر ثقل الديون سببًا لوقف عجلة التاريخ أو التراجع وراء دعاة نظرية دفع الديون أولًا.. فهذه الديون إن لم يتم سدادها، فيمكن إعادة جدولتها أو التفاوض عليها لمقايضتها بالخدمات، وربما إسقاطها تمامًا، كإجراء قياسي تتحكم فيه العلاقات الدبلوماسية والتوازنات السياسية والتعاون بين الدول.. لذلك، فإن انتقاد هذه المشاريع ليس له مبرر منطقي سوى كونه نقدًا أعمى له دوافع سياسية.
تعالوا نذهب إلى ما قاله جيسون ميتشل، المحرر الأول في  Investment Monitorوالمتخصص في الأسواق الناشئة، الذي قال، بأنه صحيح أن مصر تعاني من صعوبات اقتصادية، أدت إلى ارتفاع التضخم السنوي، مما يعكس ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية، وتسبب الصراع في أوكرانيا في حدوث اضطرابات في الإمدادات؛ خصوصًا وأن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تستورد 80٪ من احتياجاتها من منطقة البحر الأسود.
وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية، إلا أن مصر تخطو خطوات كبيرة في سياسة الطاقة، ويمكن أن تدحض العقيدة القائلة بأن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة يخوضان منافسة محصلتها صفر.. وهي تبرز كمنطقة رائدة في تطوير الطاقة المتجددة، مع تحسين قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي البحري في نفس الوقت، محققة للتآزر بين تطوير الغاز الطبيعي وانتقال الطاقة الخضراء من خلال سوق تصدير الطاقة.. وفي حين ساعدت بيئة البلاد في تهيئة الظروف لهذا النجاح، فإن التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري، يمكن أن يساعد في وضع سابقة للبلدان والشركات في جميع أنحاء العالم.
تمتلك مصر وفرة من الأراضي والطقس المشمس وسرعة الرياح العالية، مما يجعلها موقعًا مثاليًا لمشاريع الطاقة المتجددة.. تتمتع مصر برياح ممتازة على طول خليج السويس، بمتوسط سرعة رياح تبلغ 10.5 م/ثانية.. إنها دولة (حزام الشمس) مع ألفين إلى ثلاثة آلاف كيلو واط ساعة/م 2 سنويًا من الإشعاع الشمسي المباشر، وتشرق الشمس لمدة تتراوح بين تسع وإحدى عشر ساعة في اليوم من الشمال إلى الجنوب، مع عدد قليل من الأيام الملبدة بالغيوم.
وتؤكد استراتيجية الحكومة المتكاملة للطاقة المستدامة لعام 2035، على أهمية الطاقة المتجددة. إذ تريد مصر تحسين إمدادات الكهرباء المولدة من مصادر متجددة إلى 42٪ بحلول عام 2035.. حيث ستوفر الطاقة الشمسية الكهروضوئية 21.3٪ من الطاقة، وستوفر الرياح 14٪ ، والطاقة الشمسية المركزة 5.5٪ والطاقة المائية 1.98٪، بينما توفر مصادر الطاقة التقليدية 57.33٪.
حاليًا، يتم مراجعة هذه الخطة، ويمكن أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة 33٪ من مزيج الطاقة بحلول عام 2025، و 48٪ بحلول عام 2030، و 55٪ بحلول عام 2035، و 61٪ بحلول عام 2040.. ومن المتوقع أن يقدم القطاع الخاص معظم هذه القدرة، وبينما يعتبرها الخبراء متفائلة للغاية، فإن الأهداف الطموحة يمكن أن تساعد في تشجيع المزيد من التنمية.
وفي الوقت نفسه، تعمل مصر على تطوير قدرتها البحرية في الغاز بسرعة.. في عام 2019، وبفضل الإنتاج من رواسب الغاز الطبيعي البحرية الضخمة، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأصبحت مصدرُا صافيًا للطاقة في شكل غاز طبيعي مسال.. أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط ـ حقل ظهر قبالة ساحل بورسعيد ـ تديره شركة الطاقة الإيطالية متعددة الجنسيات (إيني) وشركة (إيجاس) المملوكة للدولة المصرية.
وقد أدى فائض الكهرباء في مصر بدوره إلى تطوير الربط الكهربائي إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.. في البداية، سيتم توليد معظم صادرات الكهرباء المباعة عبر التوصيلات من الغاز الطبيعي، والذي يشار إليه عادة باسم (الغاز عن طريق الوصلات)، ومع ذلك، فإن هذه الروابط تحفز المزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في البلاد، بعد أن أنشأت البنية التحتية للنقل لسوق تصدير الكهرباء.
علاوة على ذلك ، في مارس 2021، وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع مجموعة DEME البلجيكية لإجراء دراسات جدوى حول إنتاج الهيدروجين الأخضر في خليج السويس.. وهي تخطط لتحلية مياه البحر بمساعدة الطاقة المتجددة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
ويعد صعود مصر كقوة إقليمية في مجال الطاقة إنجازًا كبيرًا للبلاد.. ويمثل قطاع الطاقة بالفعل نحو 20% من ناتجها المحلي الإجمالي، ومن المرجح أن يكون دفعة مهمة للاقتصاد، تساهم في رفع المعاناة عن العديد من الفقراء الذين يعانون صعوبات كبيرة.. في عام 2020.. ليس ذلك فحسب، بل إن مصر استخدمت موقعها كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخCOP27  في نوفمبر من العام الماضي، في شرم الشيخ، لإعطاء صوت أكبر للاقتصادات الرئيسية في إفريقيا، التي تسعى إلى دور أكبر للغاز الطبيعي في عملية انتقال الطاقة.
حيث تمثل إفريقيا بأكملها 2٪ إلى 3٪ فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، من مصادر الطاقة والمصادر الصناعية.. وهي تقريبًا نفس نسبة ألمانيا، وأقل بكثير من الصين 27٪، والولايات المتحدة 15٪، والهند 7٪، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل القادة الأفارقة يضغطون من أجل انتقال (عادل)، حيث تقع مسئولية إزالة الكربون من الصناعات العالمية على دول مثل الصين التي ساهمت في الضرر البيئي.
مصر في وضع فريد، لأنها تنعم بحقول الغاز الطبيعي الضخمة، وهي مناسبة للغاية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية.. وليست كل البلدان محظوظة إلى هذا الحد، ولكنها تظهر للاقتصادات الأخرى، كيف يمكن تطوير قطاع طاقة قائم على الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة في نفس الوقت.. وينبغي أن يعلم أي مُنتقد أن الحكومات تأتي وتذهب، ولكن الهياكل الأساسية ستبقى، تمامًا، كما أن تاريخ الشعوب والأمم لا يقتصر على شخصيات من يحكمونها.
لا أحد ينكر اليوم أن وجود الأهرامات في مصر هو مصدر فخر للبشرية جمعاء، أيا كان من بناها أو خطط لهيكلها.. لكن المغالطات ومجافاة الحق في ذكر حقيقة البناء والتعمير في مصر، فهذه القضية تقودها الدعاية السياسية المتحيزة، التي تحول الكثيرين منا إلى قطيع يسهل التحكم في مساره وتفكيره.. دعونا نترك السياسة جانبًا، ونحكم على الأمور بحكمة، ونعترف بأن مشاريع التنمية في مصر هي انتصار لشعب مصر.. مصر الأمة التي تدافع عن السلام والتعايش مع جميع دول المنطقة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.