رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جونى ديب.. 48 ساعة لتحقيق حلم آل باتشينو وسكورسيزى

منذ ما يقرب من خمسين عامًا يحاول آل باتشينو ومارتن سكورسيزى تقديم فيلم عن حياة النحات والرسام الإيطالى أميديو موديليانى، حاولا أكثر من مرة، وفشلت جميع محاولاتهما لأسباب مختلفة، حتى تحول الحلم إلى كابوس، وتقدم السن بآل باتشينو فلم يعد يصلح للدور بأى حال من الأحوال، والآن يدخل جونى ديب على الخط بإعلانه عن ترشيح آل باتشينو للتمثيل فى ثانى تجربة له فى الإخراج السينمائى فى فيلم عن ٤٨ ساعة فى حياة موديليانى.

كان آل باتشينو هو أول من فكر فى نقل الحياة المأساوية للفنان الإيطالى المعروف بلوحاته المثيرة للجدل إلى الشاشة الكبيرة، وذلك بعد أن أثارت شهيته للعمل مسرحية من إنتاج خارج برودواى عن حياة موديليانى البوهيمية فى شوارع باريس الخلفية، كتبها دينيس ماكنتاير فى أواخر سبعينيات القرن الماضى بعنوان «موديليانى.. مسرحية من ثلاثة فصول»، وتغطى ٤٨ ساعة من حياة موديليانى عندما كان يتضور جوعًا فى شوارع باريس، ويقايض لوحاته بالخبز، وقتها كان آل باتشينو على يقين من أنها يمكن أن تكون موضوعًا لفيلم رائع، حتى إنه أقنع رجل الأعمال والمنتج كيث باريش بشراء حقوق تحويل المسرحية إلى فيلم مقابل مائة ألف جنيه إسترلينى، مع منحه جميع الحقوق الإبداعية للفيلم، وبمجرد إتمام الصفقة التحق آل باتشينو بصديقه ريتشارد برايس فى باريس لكتابة السيناريو، وقال باريش: «إن آل باتشينو طالما كان يحلم بأداء شخصية موديليانى، ولديه الفرصة الآن لاختيار الكاتب والمخرج اللذين يحب العمل معهما»، فى البداية كان سكورسيزى هو الخيار الثانى أو الثالث لآل باتشينو لإخراج الفيلم، إذ قال وقتها: «لقد أعطيته لكوبولا، وإذا لم يعجبه، فسأعطيه لبيرتولوتشى أو سكورسيزى».

كان تفضيل آل باتشينو لكوبولا مفهومًا، خصوصًا بعد تمسكه به فى مواجهة شركة الإنتاج لدور مايكل كورليونى فى «الأب الروحى»، لكنه رفض المشروع، ولم يكن سكورسيزى فى أفضل حالاته فى تلك الفترة، بسبب إدمانه الكوكايين الذى كان منتشرًا بصورة مفزعة بين نجوم هوليوود، حتى إن كثيرين منهم كانوا يرتدون ملاعق ذهبية صغيرة فى سلاسل حول الرقبة. 

أحب سكورسيزى السيناريو، وقال عنه إنه من الممكن أن يكون عملًا مميزًا بالفعل، ولكن بالرغم من نجومية الاثنين لم يتمكنا من الحصول على التمويل اللازم لإنتاج الفيلم، قاما بحملات تسويقية بين شركات الإنتاج، لكنهما كانا يواجهان بالرفض، وبدأ حماس آل باتشينو للفيلم يتضاءل، خصوصًا بعد الفشل التجارى لفيلمه «ثورة»، عام ١٩٩٥، وتوقفه عن العمل لمدة أربع سنوات، ما جعل من مسألة القيام بدور موديليانى، الذى توفى بسبب السل وهو فى الخامسة والثلاثين من عمره، أمرًا صعبًا.

فى بدايات عام ٢٠٠٠ وصل نص جديد عن حياة موديليانى إلى مكتب سكورسيزى، لكاتب اسكتلندى شاب يدعى ميك ديفيس، أُعجب سكورسيزى بالنص، لكنه لم يفكر فى إخراجه، وبطريقة ما وصل النص أيضًا إلى آل باتشينو، وشركة «فوكس»، واقترحوا الجمع بين النصين فى سيناريو جديد، وفكر «آل» فى إخراج الفيلم على أن يقوم جونى ديب بدور موديليانى، لكن ديفيس اعترض، وقال وقتها: «كرهت السيناريو لأن المسرحية أخرجت الروح من الشخصية، وجعلتها مظلمة ومكتئبة.. أردت عمل فيلم عن رجل يحب الحياة، وشعرت بالخوف لأن تلك القصة الجميلة كان سيأخذها شخص آخر»، وعندما نفدت خيارات الشركة، قرر ديفيس أن يتولى المشروع بنفسه قائلًا: «اعتقد الجميع أننى مجنون، لكننى أردت أن أقدم موديليانى بطريقتى الخاصة»، وقد كان، وأخرج الفيلم بنفسه، وتم عرضه عام ٢٠٠٤، بطولة أندى جارسيا، الذى كان عمره وقتها ٤٨ عامًا، لتكتب عنه الصحف أنه النموذج المثالى لما يجب تجنبه عند تصوير فيلم عن الحياة الأسطورية لفنان.

المثير فى الأمر أن جونى ديب فى ثانى تجربة إخراجية له، والتى أعلن عنها خلال مهرجان «كان» الماضى، يقرر العودة إلى النص الأصلى الذى كان آل باتشينو قد اشتراه منذ ما يزيد على الخمسين عامًا، كما أعلن عن اتفاقه مع «آل» على أن يلعب دور جامع اللوحات موريس جانجنات فى الفيلم الذى سيحمل عنوان «مودى»، اللقب الذى كان يعرف به موديليانى بين أصدقائه، ويتتبع سلسلة فوضوية من الأحداث فى شوارع وحانات باريس التى مزقتها الحرب فى عام ١٩١٦، حيث كان موديليانى هاربًا من الشرطة، تلاحقه الرغبة فى إنهاء حياته المهنية، ويسعى للحصول على مشورة تاجر الأعمال الفنية وصديقه البولندى ليوبولد زبوروفسكى، لكن الفوضى تصل إلى ذروتها عندما يواجه جامعًا يمكنه تغيير حياته، وخلال ٤٨ ساعة مضطربة ومليئة بالأحداث، يصل إلى نقطة تحول كبرى فى حياته، ليكون فى النهاية أسطورة فنية.

يبدأ تصوير الفيلم، الذى يشارك فى إنتاجه آل باتشينو بالتعاون مع ديب وبارى نافيدى، فى بودابست فى سبتمبر المقبل، وقال جونى ديب، فى بيان: «إن ملحمة حياة موديليانى قصة يشرفنى، بشكل لا يصدق، أن أعرضها على الشاشة، كانت حياته مليئة بالمصاعب، لكنه حقق انتصارًا نهائيًا، إنها قصة إنسانية عالمية، يمكن لجميع المشاهدين التماهى معها»، فيما قال بارى نافيدى إن الفيلم «قريب جدًا من قلب آل باتشينو»، ويلعب الإيطالى ريكاردو سكامارسيو دور موديليانى.

«مودى» هو ثانى تجارب جونى ديب الإخراجية، بعد فيلمه الأول «الشجاع» الذى أخرجه عام ١٩٩٧، وشارك فيه النجم الراحل مارلون براندو، وكلى أمل أن يحقق حلم آل باتشينو وسكورسيزى الذى تأخر خمسين عامًا.