رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإنصات لصوت العقل

الإنصات لصوت العقل هو الأساس الصحيح للنجاح فى مشوار حياتنا، وهو ضرورة إذا ما أردنا النجاح فى عمل أو فى مشروع جديد، أو فى اتخاذ قرار مصيرى أو مهم فى هذا المشوار وبشكل سليم وصحيح، وبدون أن نفقد شخصيتنا أو ندخل فى مسارات قد تؤدى بنا إلى الفشل والتخبط وفقدان الطريق المناسب لنا.
فما هو مناسب لى ليس بالضرورة أن يكون مناسبًا لك أو لأى شخص آخر، فلكل فرد ملامح شخصية قد تختلف فى تفاصيلها عن غيره من البشر أو حتى فى داخل العائلة الواحدة، سنجد أن كل فرد فيها مختلفًا فى ميوله وقدراته وسماته وممارساته وطباعه وظروفه عن الآخر باستثناء واحد هو حالة التوأم المتماثلين. 
إلا أن الإنصات لصوت العقل لا يعنى انتظار النجاح أو التواكل أو التكاسل؛ لأنه يتطلب السعى والحركة والاجتهاد والتخطيط السليم، وهناك حديث شريف حول ضرورة الإنصات لصوت العقل ثم التوكل على الله بعد ذلك، أى تفويض الأمر لله، والحديث الشريف لرسولنا الكريم جاء عن أنس بن مالك رضى الله عنه وفيه يقول: إن رجلًا أتى إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:
- يارسول الله أرسل ناقتى وأتوكل، أم أعقلها وأتوكل؟ قال: بل اعقلها وتوكل»، والتوكل هنا مقرون بالسعى والحركة فى سائر الأمور ومنذ بداياتها، فمن أراد الرزق أو النجاح بذل الجهد متوكلًا على الله.
والإنصات للعقل الذى أقصده فى تقديرى معناه أن نفكر بالعقل فى كل شئون حياتنا ثم نتوكل بعد ذلك على الله، ومعناه أيضًا عدم انسياقنا لأى أفكار مضللة لآخرين قد يكون مقصودًا بها أن نتبع صوتًا غير صوتنا وعقلًا غير عقلنا، وقد يسفر هذا عن سيرنا فى طرق فاشلة وضياع شخصيتنا وهويتنا وقدرتنا على النجاح.
إننا فى حاجة لأن نتوقف قليلًا لنفكر فى أن نعمل وننشغل بما يناسب قدراتنا وحياتنا، وأن نوازن بين ما نريده وما هو متاح لنا أو أمامنا وما هو مناسب لقدراتنا، وأن نفعل الصواب ولا ننساق وراء الخطأ أو العيب أو الحرام، وألا نركن إلى التواكل والبلادة، أو أن نصبح رقمًا فى القطيع.
وأن نعقل فى المهم الأول ما يحدث فى بلدنا وظروفنا وظروفه حتى نكون مساهمين فى استقراره وفى تقدمه وفى رفعة شأنه. إن صوت العقل أيضًا معناه، فى رأيى، أننى قد أكون على حق فى اختيار ما يناسب حياتى وقدراتى، حيث إن لكل شخص سمات شخصية وله ظروف مختلفة وله توقيت مختلف وله مكان مختلف وبيئة مختلفة وله طموح أو أمانى معينة أو ليس لديه طموح وليست لديه رغبة فى الحركة أساسًا.
إن عبارة «اعقلها وتوكل»، بناءً عن تجربتى الشخصية فإننى كنت على يقين فى اختيار مسار حياتى استنادًا إلى قدراتى وموهبة ظهرت منذ سن صغيرة فاخترت طريق العمل متناسبًا مع موهبتى وميولى الأدبية والصحفية، وهكذا التحقت بالعمل ككاتبة وصحفية، وجاء طريقى متسقًا مع ميولى وقدراتى.
والحمد لله أننى لم أندم على هذا الطريق الذى سلكته بالعقل ثم التوكل على الله والاجتهاد والعمل الجاد والجهد ومواجهة الصعوبات والتحديات، ويقينى أننى قد أنصت لصوت العقل الذى بداخلى وعملت ما أحببته وأنا راضية عن ذلك، بينما أجد كثيرًا من الأفراد يسيرون وراء من يأخذهم إلى طرق قد تدمر حياتهم وكم من شباب حدث لهم غسيل مخ وانضموا لجماعات متشددة توجههم إلى فعل الشر والأذى للغير وللنفس والكراهية لكل من ليس منهم، والكراهية حتى للوطن.
وهكذا يسلمونهم إلى الضياع والتشدد المقيت ويعيشون بلا روح أو رضا ولا يحسون بأنهم قد مارسوا حياتهم وفقًا لميولهم أو لرغبتهم، بل هم يزرعون فيهم أفكارًا متشددة ومتطرفة مغلوطة عن الوطن والدين، والدين منها براء، ويزرعون فى نفوسهم الكراهية للغير ويحفظونهم على تعاطى العنف والتكفير للغير.
من ناحية أخرى هناك من يقولون إن الديمقراطية هى رأى غالبية الناس ضد الأقلية، إلا أننى أرى أن ذلك لا ينطبق على اختيار مسار الفرد فى حياته الشخصية، فالتخطيط لحياتك الشخصية واختيار أفكارك وقناعاتك ودراستك وعملك ينبغى أن يكون بناءً على رأيك الشخصى وانطلاقًا من ميولك وقدراتك الشخصية، بالإضافة إلى الإنصات لصوت العقل ثم الحركة وبذل الجهد والاجتهاد، فلننظر إلى أسماء خالدة لمصريين حققوا النجاح فى حياتهم وحققوا الشهرة بناءً على اختيار الطريق الصواب والاجتهاد والإنصات لصوت العقل.
ومثال على ذلك كبار أدبائنا وفنانينا مثل طه حسين وتوفيق الحكيم وكوكب الشرق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفاتن حمامة ويوسف وهبى وعمر خيرت ومحمد منير وعادل إمام، ومن شبابنا الفذ فى الرياضة محمد صلاح، ونور الشربينى، ويجب فى رأيى أن يبدأ إعمال العقل منذ سن مبكرة، وهنا يأتى دور الوالدين، الأم خاصة والأب فى توجيه الأبناء إلى الإنصات لصوت العقل وفى التفكير بعقل سليم واتخاذه منهجًا فى الحياة.
فهناك فى رأيى ضرورة قصوى لأن يقف الفرد منذ سن مبكرة لاختيار ماذا يريد أن يصبح فى المستقبل؟.. فقد يقال لك أو ينصحك البعض بأن تصبح طبيبًا أو مهندسًا أو عالمًا أو صيدليًا رغم أنك لا ترغب فى أى من هذه المهن رغم أهميتها وتميزها؛ لأن ميولك كلها أدبية وفنية، ولهذا فإنه لا بد أن ينصت الإنسان لصوت العقل، بداخل أعماقه وأن يشجعه من حوله فى الأسرة حتى ينجح فى تحقيق ذاته بشكل سليم، وأن يكون بعد ذلك مواطنًا ناجحًا وصالحًا ومتصالحًا مع نفسه وممارسًا لقدراته وميوله بشكل سليم، فقد يكون كاتبًا مشهورًا أو رسامًا معروفًا أو فنانًا محبوبًا ولديه أعمال فنية ناجحة، هذا أفضل من أن يصبح طبيبًا فاشلًا أو عالمًا مدمرًا نفسيًا لأن ميوله فنية أو أدبية.
لهذا فإننى أرى أن التفكير بالعقل هو بداية السير بشكل صحيح فى طريق حياة كل منا، وهو روشتة مضمونة للنجاح فى أى مشروع أو قرار أو اختيار طريق وهو صمام أمان للشباب ينبغى أن نساعدهم على اتباعه؛ لأنه صمام أمان فى مواجهة انسياق الشباب وراء أفكار مغلوطة أو متشددة أو تكفيرية.
وهو البداية الصحيحة لأى عمل أو دراسة أو علاقة عاطفية حتى يكون هناك توازن فى الحياة، وحتى تكون خطوات الإنسان سليمة وبدون فشل أو انحراف أو تدمير لشخصيته، وحتى يعيش كل منا متصالحًا مع ذاته ومع عائلته ومع أساتذته ومع عمله ومع مجتمعه ومع أصدقائه وزملائه ومتسقًا فى أفكاره ومخلصًا لوطنه ومتجهًا نحو عمل الصواب لنفسه اعتمادًا على التمسك بمبادئ وسطية ونبيلة.
أما بالنسبة للقدر فهو فى يد الله سبحانه وتعالى، وهناك أشياء مصيرية فى حياتنا لا يد لنا فيها، فالله هو الذى يقررها فهو يقرر التوقيتات فى كل شىء الحياة والممات والميلاد والمستقبل.
أما أنت أيها القارئ العزيز فى حياتك فإنه من الضرورى أن تضع مبدأ مهمًا وأساسيًا فى حياتك ومنذ سن مبكرة وفى أى سن إذا ما أردت النجاح فيها، وهو: أن تنصت لصوت العقل، وأن تقول لنفسك قبل كل خطوة مصيرية «اعقلها وتوكل».
حتى تكون قد فعلت الصواب لنفسك وتجنبت الكثير من خيبات الأمل ومن الفشل، وحتى تكون حياتك أفضل وأنجح وأكثر رزقًا وخيرًا لك ورضًا لك ولمن تحب، ورضًا بما اخترت بالعقل، ومن ناحيه أخرى رضًا أيضًا بقدرك الذى هو بيد الله العلى القدير.