رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتزال "إبراهيموفيتش".. أسطورة حافلة بالخصومات الكروية والتصريحات العدائية (تقرير)

زلاتان إبراهيموفيتش
زلاتان إبراهيموفيتش

بعينين دامعتين وصوت متأثر، ودع زلاتان إبراهيموفيتش كرة القدم التي أحبها وأمتعها لسنوات طويلة، على ملعب سان سيرو الإيطالي، الذي شهد أفضل لحظاته مع ميلان، وألقى السلطان كلمة الوداع للجماهير التي هتفت باسمه وصفقت له بحرارة، موجهًا الشكر لعائلته وأصدقائه وزملائه ومدربيه على دعمهم وثقتهم فيه، ومؤكدًا أنه سيظل ميلانيستا إلى الأبد. 

وبعد أن أنهى زلاتان كلمته، ارتدى قميص ميلان الأحمر والأسود، وسار بخطوات بطيئة نحو منتصف الملعب، حيث انحنى وقبل العشب الذي لعب عليه بشغف وإخلاص، ثم نظر إلى المدرجات المزدحمة بالجماهير، ورفع يديه في إشارة للوداع، وفجأة، انطلق صوت المذيع الذي قال: "إنه زلاتان إبراهيموفيتش، اللاعب الذي لا ينسى". 

وفي تلك اللحظة، انفجرت الألعاب النارية في السماء، وانطلقت الموسيقى التي تحمل اسمه، وظهر على شاشة عملاقة صورته مع عبارة "شكرًا يا أسطورة"، وبدأ إبراهيموفيتش يبكي بحرقة، وسط تصفيق حاد من الجماهير التي رددت اسمه بصوت عال، ثم خرج من الملعب بخطوات متثاقلة، محملًا على كتفي صديقين له، وكان ذلك آخر ظهور له على أرضية المستطيل الأخضر، الذي سجل فيه أكثر من 500 هدف، وحصد فيه أكثر من 30 لقبًا.

بداية الرحلة

إبراهيموفيتش هو لاعب سويدي من أصول بوسنية وكرواتية، ولد عام 1981 في مدينة مالمو، وبدأ لعب كرة القدم في نادي مالمو في أواخر التسعينيات، حيث لعب مع الفريق الأول 40 مباراة وسجل 16 هدفًا، كان أول هدف له مع الفريق في 30 أكتوبر 1999 ضد فايكنبيرغ في الدوري السويدي.

في عام 2000، ساعد إبراهيموفيتش فريقه في الصعود إلى الدرجة الأولى، وفي الموسم التالي، تألق بشكل كبير وأصبح هداف الفريق بـ 12 هدفًا، وأثار اهتمام عدة أندية أوروبية بموهبته وقدراته، وفي عام 2001، انتقل إلى نادي أياكس الهولندي مقابل 7.8 ملايين يورو.

لعب إبراهيموفيتش مع نادي أياكس 74 مباراة وسجل 35 هدفًا، وفاز معه بلقب الدوري الهولندي مرتان في عامي 2002 و2004، وكأس هولندا مرة واحدة في عام 2002، وسجل أهدافًا رائعة مع النادي، منها هدف خرافي ضد نادي ناسيل في عام 2004، حيث تخطى خمسة لاعبين قبل أن يسجل بطريقة مميزة.

وانتقل زلاتان بعد ذلك إلى نادي يوفنتوس الإيطالي في عام 2004، مقابل 16 مليون يورو حيث لعب معه 70 مباراة وسجل 23 هدفًا، وفاز مع النادي بلقب الدوري الإيطالي مرتان في عامي 2005 و2006، لكن تم سحبهما منه بسبب فضائح التلاعب بالمباريات، كما اختير ضمن تشكيلة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خلال العام في 2005.

وفي عام 2006، انتقل السويدي إلى نادي إنتر ميلان، مقابل 24.8 مليون يورو، وفاز مع النادي بلقب الدوري الإيطالي 3 مرات على التوالي في 2007 و2008 و2009، وكأس السوبر الإيطالي مرة واحدة في عام 2006، كما اختير ضمن تشكيلة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خلال العام في 2009.

بصمات كروية

انتقل زلاتان إلى نادي برشلونة الإسباني في عام 2009، مقابل 69.5 مليون يورو، في واحدة من أغلى عمليات الانتقال في التاريخ آنذاك، حيث لعب معه 29 مباراة وسجل 16 هدفًا، وفاز مع النادي بلقب الدوري الإسباني وكأس الملك وكأس السوبر الإسباني وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية في عام 2009.

وعلى سبيل الإعارة، انتقل السلطان إلى نادي ميلان الإيطالي في عام 2010، ثم بشكل نهائي في عام 2011، ولعب معه 61 مباراة وسجل 42 هدفًا، كما فاز مع النادي بلقب الدوري الإيطالي في موسم 2010-2011، وكأس السوبر الإيطالي في عام 2011.

انضم إبراهيموفيتش إلى نادي باريس سان جيرمان في عام 2012، حيث لعب معه 122 مباراة وسجل 113 هدفًا، وفاز مع النادي بلقب الدوري الفرنسي أربع مرات على التوالي منذ عام 2013 حتى عام 2016، وكأس فرنسا مرتين، وكأس الرابطة الفرنسية ثلاث مرات، وكأس السوبر الفرنسي ثلاث مرات، كما اختير ضمن تشكيلة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خلال العام في 2013.

وبصفقة انتقال حرّ، انتقل بعد ذلك إلى نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي في عام 2016، حيث لعب معه 33 مباراة وسجل 17 هدفًا، وفاز مع النادي بلقب الدوري الأوروبي في موسم 2016-2017، وكأس الرابطة الإنجليزية وكأس السوبر الإنجليزي في عام 2016، حنى تعرض لإصابة خطيرة في ركبته في أبريل 2017، أبعدته عن الملاعب لمدة سبعة أشهر.

عاد إلى الملاعب مرة أخرى في نوفمبر 2017، لكنه لم يستعد مستواه السابق ولم يشارك بانتظام، لينتقل إلى نادي لوس أنجلوس جلاكسي الأمريكي في مارس 2018، بصفقة انتقال حرّ، وسجل هناك هدفًا رائعًا في مباراته الأولى مع النادي ضد لوس أنجلوس إف سي، حيث قام برفع الكرة من مسافة 40 ياردة فوق حارس المرمى.

فاز زلاتان بجائزة أفضل لاعب جديد في الدوري الأمريكي في عام 2018، وجائزة أفضل هدف في الدوري في عام 2019، كما ترشح لجائزة بوشكاش عام 2019 عن هدفه الخرافي ضد تورونتو، لينتقل للمرة الأخيرة إلى ميلان في ديسمبر 2019، بصفقة انتقال حرّ، وساهم في قيادة الفريق للمركز الثاني في الدوري الإيطالي في موسم 2020-2021، وتأهله لدوري أبطال أوروبا بعد غياب سبع سنوات، وكانت تلك محطته الأخيرة في عالم كرة القدم.

شخصية مُحيرة

من بين نجوم كرة القدم الذين تركوا بصماتهم في تاريخ اللعبة، يبرز اسم زلاتان إبراهيموفيتش، اللاعب الرحالة، الذي سافر بين أكبر الأندية الأوروبية والأمريكية، وحقق معها إنجازات عديدة وجوائز فردية وجماعية، صنع لنفسه أسلوبًا خاصًا في التعامل مع الكرة والخصوم، وسجل أهدافًا خرافية لا تُنسى.

اللاعب السويدي الذي أبهر العالم بمهاراته وأهدافه وشخصيته، وصفه الجميع بالشخصية المتمردة والجريئة، التي لا تخضع للقواعد ولا تهاب النقد، يتحدى الصعاب والتحديات بإصرار وعزيمة، ولا يسمح لأحد بالتقليل من قيمته أو طموحه، يتمتع بثقة عالية بنفسه وبقدراته، ويعبر عن رأيه بصراحة وجرأة؛ مما يجعله محط انتباه وإعجاب الجماهير والإعلام. 

ومن جانب آخر، يرى البعض أن شخصية إبراهيموفيتش فكاهية ومرحة، يحب المزاح والضحك، ويستخدم السخرية والنكتة كوسيلة للتعبير عن نفسه والتفاعل مع الآخرين، يظهر جانبًا إنسانيًا وعطوفًا مع عائلته وأصدقائه، ويساند القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تهمه، لكن دائمًا ما كان يمتلك خصومات كروية عنيفة.

خصومات كروية

لا يخشى زلاتان أحدًا، ولا يتردد في التعبير عن رأيه بصراحة وجرأة، حتى لو كان ذلك يعني إثارة العداء والحقد من قبل خصومه الكرويين، فقد تصادم مع نجوم كبار مثل رونالدو وراموس، وانتقد مدربين عظماء مثل غوارديولا وفينغر ومورينيو، وتشاجر مع زملاء سابقين مثل بيرلو وبيكيه وسولشاير.

لا يُخفض زلاتان من شأن نفسه أمام أحد، بل يرفع من قيمته دائمًا، ويعتبر نفسه الأفضل في التاريخ، لا يخجل من تصريحاته العدائية، بل يفتخر بها، ويعتبرها جزءًا من شخصيته المميزة. إنه زلاتان إبراهيموفيتش، اللاعب الذي لا يحتاج إلى اسم عائلة لكي يُعرف.

ومن أبرز خصوماته الكروية في عالم الساحرة المستديرة: 

  • رافائيل فان دير فارت، لاعب هولندي سابق، الذي تورط معه في مشاجرة في غرفة الملابس عندما كانا زميلين في آياكس
     
  • أنطونيو كاسانو، لاعب إيطالي سابق، الذي تحدث بسخرية عن إبراهيموفيتش واتهمه بالغرور والأنانية
     
  • ماركو ماتيراتزي، مدافع إيطالي سابق، الذي تلقى ضربة رأس من إبراهيموفيتش في مباراة بين إنتر وميلان عام 2005
     
  • كريستيانو رونالدو، نجم يوفنتوس والبرتغال، الذي تنافس معه على الألقاب والجوائز، وتبادل معه التصريحات النارية
     
  • أندريه بيرلو، لاعب وسط إيطالي سابق، الذي انتقد إبراهيموفيتش في كتابه ووصفه بالمتكبر والمزاجي
     
  • سيرجيو راموس، مدافع ريال مدريد وإسبانيا، الذي تصادم معه في عدة مباريات وتبادل معه الإهانات والاعتداءات
     
  • روميلو لوكاكو، لاعب إنتر ميلان وبلجيكا، الذي تورط معه في مشادة كلامية حادة في ديربي ميلانو

وعن أبرز تصريحاته العدائية في كرة القدم:
 

  • قال عن كريستيانو رونالدو: "هو ليس الأفضل في التاريخ، بل هو نتاج العمل الجاد"
     
  • قال عن أرسين فينغر: "هو مدرب جيد، لكنه لا يفهم شيئًا عن الفوز بالألقاب" 
     
  • قال عن رافائيل فان دير فارت: "هو لاعب ثانوي، وأنا لا أتحدث مع اللاعبين الثانويين"
     
  • قال عن جيرارد بيكيه: "هو مدافع سيء، وأنا أستطيع أن أجعله يبكي في كل مباراة" 
     
  • قال عن ماركو ماتيراتزي: "هو لاعب قذر، وأنا أستحق ضربة رأس أفضل من ضربة رأس زيدان" 
     
  • قال عن سيرجيو راموس: "هو لاعب عصبي، وأنا أستطيع أن أجعله يحصل على بطاقة حمراء في كل مباراة"
     
  • قال عن بيب غوارديولا: "هو مدرب رائع، لكنه شخص فاشل" 

وداع مٌشرف

رغم كافة العداءات التي انغمس فيها إبراهيموفيتش طوال مسيرته الكروية، إلا أنه فنان في كرة القدم، يرسم لوحات جميلة على أرضية الملعب بقدميه ورأسه، يتقن التحكم في الكرة والتسديد من مسافات بعيدة والتسجيل بطرق مبهرة، يستخدم قوته وطوله ولياقته للتغلب على الدفاعات المنافسة والتألق في الهجوم، يظهر مهارات فردية عالية وقدرة على التعاون مع زملائه وصناعة الفارق في المباريات الحاسمة.

شخصية زلاتان مؤثرة بشكل كبير في عالم كرة القدم، كونه يحمل روح القائد والمحارب على أرضية الملعب، يتحلى بالثقة والجرأة والطموح، ولا يخاف من التحدي أو الانتقاد، يعبر عن رأيه بصراحة وجرأة، ولا يترك حقه أو كرامته لأحد، ويثير الجدل والنقاش بأفعاله وأقواله، لذا ليلة اعتزاله داخل استاد سان سيرو الإيطالي كانت مميزة للغاية، وستُخلد ذكرى اعتزال "أسطورة".